دور أوروبا في حرب إيران وإسرائيل: بين التبعية الأمريكية والخوف من الانفجار الإقليمي

في خضمّ التصعيد العسكري المباشر بين إيران وإسرائيل، تقف أوروبا في موقع بالغ الحساسية، لا هي طرف فاعل قادر على توجيه الأحداث، ولا هي بمنأى عن تداعياتها. لقد كشفت الحرب الدائرة عن عمق مأزق أوروبا الجيوسياسي، وعن الفرق الجوهري بين «الحياد الدبلوماسي» و«اللامبالاة الاستراتيجية». فهل لأوروبا مصلحة حقيقية في وقف الحرب؟ وهل تملك الأدوات لذلك؟ وما الذي تخشاه أكثر: انتصار إيران أم فشل إسرائيل؟

أوروبا الغائبة… الحاضرة

لا تشارك أوروبا في المعركة بشكل مباشر، لكنها موجودة بقوة في ما وراء الكواليس:

  • فهي على تواصل مع الطرفين عبر القنوات الدبلوماسية.
  • وتحاول استعادة دور الوسيط في الاتفاق النووي.
  • لكنها في الوقت نفسه تلتزم عمليًا بخطّ الولايات المتحدة في دعم إسرائيل، وإن بصيغة أكثر تهذيبًا.

هذا الدور الرمادي ليس مجرد خيار، بل انعكاس لواقع عميق: أوروبا لم تعد قوة مستقلة القرار في السياسات الأمنية الكبرى، بل قوة اقتصادية تعيش تحت المظلة الأمريكية.

مصلحة أوروبا: لا حرب… ولا انتصار كامل لأي طرف

في الظاهر، تبدو أوروبا وكأنها تدعو إلى "وقف إطلاق النار" و"خفض التصعيد"، لكن الحقيقة أكثر تعقيدًا. فمصلحتها الاستراتيجية تكمن في منع الانفجار الإقليمي دون أن تنتصر إيران أو تنهار إسرائيل.

لماذا؟

  • لأن انهيار إسرائيل أو تضررها بشدة قد يدفع أمريكا إلى تورّط عسكري شامل، وهذا سيجرّ أوروبا سياسيًا وعسكريًا إلى صراع لا تريده.
  • وفي المقابل، فإن انتصار إيران قد يعني تحوّلها إلى قوة إقليمية نووية، ما يزيد من منسوب التهديد لأمن الخليج، ومنه إلى مصالح أوروبا النفطية.

وهكذا تجد أوروبا نفسها في حالة من التحوّط اللامجدي: لا تريد الهزيمة لأي طرف، لكنها أيضًا لا تريد الانتصار لأي طرف!

المخاوف الأوروبية: النفط، اللاجئون، والتطرف

أوروبا تعلم أن أي حرب شاملة في الشرق الأوسط ستنعكس مباشرة على:

  • أسعار النفط والغاز: فالهجمات على منشآت الطاقة الإيرانية أو تعطيل مضيق هرمز سترفع الأسعار وتضرب اقتصادات القارة.
  • الهجرة واللجوء: توسع الحرب سيخلق موجات نزوح من إيران وسوريا ولبنان، ما سيعيد أزمات اللجوء إلى الواجهة ويزيد من توتر الشارع الأوروبي.
  • الإرهاب الداخلي: أي تصعيد عسكري حاد قد يؤدي إلى تطرف داخلي وردات فعل عنيفة داخل الجاليات، وهو ما تخشاه أجهزة الأمن الأوروبية.

بمعنى آخر، الحرب تهدد أمن أوروبا الداخلي من الخارج.

تناقض الموقف الأوروبي: بين الدبلوماسية والمصالح

ما يُظهره الخطاب الأوروبي من "حرص إنساني" على وقف الحرب، لا ينسجم مع الصمت المطبق تجاه الضربات الإسرائيلية التي خرقت القانون الدولي، وقتلت علماء مدنيين وأصابت منشآت نووية.

الفرق هنا جوهري:

  • إذا ما كانت أوروبا جادة في وقف التصعيد، فلماذا لم تُدين الضربة الإسرائيلية بشكل صريح؟
  • وإذا كانت تخشى من توسع الحرب، فلماذا لا تدفع باتجاه قنوات أممية نشطة تلزم الطرفين بالتهدئة؟

الجواب يكمن في الخضوع الأوروبي للإرادة الأمريكية، وفي فشل أوروبا المتكرر في أن تكون «صانعة سياسات»، لا مجرد «مراقبة تداعيات».

أوروبا وإيران: علاقة محطّمة الثقة

بعد انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي عام 2018، حاولت أوروبا التمسك بالاتفاق، لكنها فشلت في تأمين أي ضمانات اقتصادية حقيقية لإيران. وهذا الفشل جعل طهران تعتبر العواصم الأوروبية غير جديرة بالثقة ولا تملك استقلالًا فعليًا.

وبالتالي، فإن دور أوروبا كوسيط محتمل في الأزمة الحالية أضعف من أي وقت مضى، ما يجعلها في موقع المتفرّج المحبط أكثر من الفاعل المؤثر.

إسرائيل لا تنسّق مع أوروبا

من ناحية أخرى، فإن إسرائيل لا تضع أوروبا في حساباتها العسكرية أو السياسية، فهي:

  • تنسق مع أمريكا مباشرة،
  • تتجاهل المواقف الأوروبية الناعمة،
  • وتعلم أن العواصم الغربية – مهما اعترضت لفظيًا – ستقف معها في المحافل الدولية في النهاية.

وهذا يُبرز المفارقة الكبرى: أوروبا تدفع ثمن حرب لا تستطيع إيقافها، ولا أحد يحسب لها حسابًا فيها!

خاتمة: أوروبا في المرآة… لا في الخندق

ما تكشفه حرب إيران وإسرائيل اليوم هو أن أوروبا ليست طرفًا في المعركة، لكنها طرف في الحسابات:

  • كل صاروخ يسقط، وكل منشأة تُقصف، وكل ميناء يُهدد، له تداعيات مباشرة على الأمن الأوروبي.
  • لكنها – برغم ذلك – عاجزة عن الفعل، مترددة في التصعيد، ومحاصَرة بالخوف من الانفجار الإقليمي.

إن الفرق بين "أوروبا صاحبة القرار" و"أوروبا التي تُبلّغ بالمستجدات" قد صار واضحًا.

وما لم تتّخذ القارة العجوز موقعًا مستقلًا واستباقيًا في الأزمات الدولية، فستبقى تدفع ثمن كل حرب، دون أن يكون لها رأي في متى تبدأ… ولا كيف تنتهي.

+
أحدث أقدم

ويجيد بعد المقال


تنويه: هذا المقال (أو المحتوى) يقدم تحليلاً إعلامياً موضوعياً، ويخلو تماماً من أي تحريض أو دعوة للعنف، ويعكس رؤية نقدية متوازنة للأحداث، مع الالتزام التام بالأطر القانونية والمعايير المهنية.