
أولًا: الإسلام كزينة سلطوية
كثير من الأنظمة الحاكمة في العالم الإسلامي تحرص على الظهور بمظهر التدين، فتُكثر من بناء المساجد، وتنظيم المسابقات الدينية، وإحياء المناسبات الإسلامية، لكنها – في الوقت نفسه – تُحاصر أي محاولة لفهم الإسلام كنظام عدل، أو كمرجعية في الحكم، أو كأداة لتحرير الإنسان من الاستبداد.
هكذا يصبح الدين زينة للنظام، لا مرآة تفضح فساده.
ثانيًا: التديّن الاستعراضي مقابل الفهم العميق
المشكلة ليست فقط في السلطة، بل في الثقافة العامة التي تربت على أن التديّن يعني أداء الطقوس بإتقان، دون مساءلة جوهر المعاني.
تُقاس "صلاحية المسلم" بحجم التزامه الظاهري، لا بوعيه أو صدقه أو عدله. بل أحيانًا يُنظر بعين الشك لمن يحاول فهم الدين بشكل مختلف، أو يسأل أسئلة كبرى حول الغاية من الشريعة، أو يُعيد قراءة الواقع من منظور الرسالة.
المسلم المثالي في المخيلة الرسمية والشعبية هو من يسكت ويعبد، لا من يفكر ويغيّر.
ثالثًا: قمع الإسلام الرسالي لحساب الإسلام المروّض
كل محاولة لبعث الإسلام الرسالي – الذي يرى في الدين دعوة للتغيير وبناء مشروع حضاري – يتم قمعها أو تشويهها.
وذلك لأن الإسلام الفاهم يحمل خطرًا على الأنظمة المستبدة التي تستفيد من جهل الناس بدينهم، في حين أن الإسلام المروّض – القائم على الطاعة والتلقين – يعيد إنتاج الاستسلام.
رابعًا: تكريس الشكليات في التعليم الديني
المناهج التعليمية في كثير من الدول الإسلامية تُدرّس الدين بطريقة تحفظية سطحية، تهتم بالمظاهر وتُقصي الفلسفة والمقاصد.
الطالب يتعلم كيف يتوضأ، لكن لا يُسأل عن معنى الطهارة في بعدها الروحي والأخلاقي.
يحفظ أسماء الغزوات، ولا يُفهم دلالة الحرب في سياق العدالة.
يحفظ العقيدة، ولا يُمارس التفكير العقدي النقدي.
خامسًا: الإسلام كهوية دفاعية لا كمنظومة حضارية
في الخطاب الرسمي، يُستحضر الإسلام غالبًا كردّ فعل على اتهامات الغرب أو موجات العلمنة.
لكن هذا الاستحضار يأتي في شكل هوية مُبالغ فيها – في اللباس، اللغة، الشعارات – دون أن يصاحبه بناء حقيقي لفهم الإسلام كرسالة تحريرية أخلاقية عالمية.
الخاتمة:
ليس الخطر أن يظهر المسلمون متدينين، بل أن يُختزل تدينهم في المظاهر دون فهم المقاصد.
الخوف ليس من الإسلام، بل من تفريغ الإسلام من روحه، وحصره في الشعائر المنفصلة عن واقع الناس.
ما تحتاجه الأمة اليوم ليس المزيد من التزويق الديني، بل عودة إلى جوهر الرسالة: الإسلام كفهم، وكوعي، وكأداة لبناء الإنسان الحر والمجتمع العادل.