
لماذا نفعل ما نفعل؟
وما القيمة الحقيقية لكل هذا الركض إذا كان لا يُفضي إلى معنى؟
لقد بات السعي للمعنى يُصنَّف كممارسة فردية، أو رفاهية فلسفية، أو هروب من "الواقع".
لكن الحقيقة أن النجاح في طلب المعنى — لا الشهرة ولا الامتلاك — هو ما يُنقذ الإنسان من التفاهة، ويمنحه بوصلة وسط هذا الضباب.
من يعيش بلا معنى… يتآكل
الإنسان لا يُقهر من الخارج فقط، بل حين يفقد قدرته على ربط ما يفعله بما يؤمن به.
كثيرون يملكون المال والسلطة والإنجازات، لكنهم يعيشون في خواء داخلي.
لأنهم نسوا — أو لم يعرفوا أصلًا — "من أجل ماذا" يعيشون.
طلب المعنى ليس هروبًا من الواقع، بل هو أعظم أشكال مواجهته: مواجهة الغموض، والموت، والتعب، والظلم… بسؤال:
كيف يمكن أن أعيش بشرف، رغم كل هذا؟
النجاح في المسار، لا في النتيجة
في ثقافة النتائج الفورية، يبدو السعي للمعنى بطيئًا، مُربكًا، غير مُربح.
لكنه سعي يُربّي النفس، ويُصقل الروح، ويفتح أمام الإنسان أفقًا آخر للنجاح:
- أن تفهم ما وراء الألم.
- أن تعيش وفق قِيَمك، لا وفق ما يطلبه السوق.
- أن تقرأ لتتأمل، لا لتستعرض.
- أن تسعى إلى الله، لا إلى الصورة.
- أن تبني فهمًا، لا مجرد رأي.
هذا كله نجاح هادئ، لا يملأ الشاشات، لكنه يُثبّت النفس في زمن التيه.
السعي للمعنى فعل نضج
أن تسأل "ما المعنى؟" لا يعني أنك ضائع، بل أنك ترفض العيش على وضعية الطيار الآلي.
أن تتوقف لتراجع، أن تعيد تشكيل أهدافك، أن تُبدّل مسارك بحثًا عن معنى أعمق… هو نضج لا يقدر عليه إلا من اكتشف هشاشة المعايير السائدة.
بل إن السعي للمعنى هو ما يمنع الإنسان من أن يُستهلك، أو يُستعمل، أو يتحوّل إلى ترس في آلة.
النجاح الذي لا يراه أحد
من يطلب المعنى قد لا يبدو ناجحًا في أعين الناس: لا يركض، لا يتنافس، لا يتكلم كثيرًا.
لكنه من الداخل، يبني بناءً صامتًا من التماسك، والصدق، والطمأنينة.
فهو لا يعيش مكرّهًا، ولا يفعل لمجرد الفعل، بل يقف حيث يعتقد أنه الحق، ويُصغي لما وراء الضجيج، ويعيش بإرادة لا بردّ فعل.
خاتمة: من يسعى إلى المعنى… لن يُضيع نفسه
من عرف "لِمَ يعيش"، تحمّل كل "كيف".
ومن ربط ألمه، ووقته، وجهده، بشيء أسمى من ذاته… لن تضلّه الأحداث، حتى وإن أوجعته.
فالسعي إلى المعنى هو نجاح ضد الفراغ، ضد التشييء، ضد العدمية.
وهو ما يجعل حياة الإنسان قابلة لأن تُروى لا لأن تُنسى.