دولة تحت المجهر: كمبوديا – هل تنجو من ظل الصين وخنق الغرب؟

رغم أنها لا تتصدر العناوين العالمية، إلا أن كمبوديا تُعد نموذجًا دقيقًا لفهم لعبة التوازنات الجيوسياسية في جنوب شرق آسيا. فهذه الدولة الصغيرة، التي خرجت من مذبحة الخمير الحمر قبل عقود، تجد نفسها اليوم محاصرة بين طموحات الصين المتوسعة، وضغوط الغرب التي تُمارَس عبر أدوات "الديمقراطية وحقوق الإنسان". المقال التالي يحاول كشف الملامح الخفية لهذا التوتر الاستراتيجي المتصاعد.

1. ماضٍ دموي.. حاضر هش

خرجت كمبوديا من فترة مظلمة قادها نظام بول بوت والخراب الذي ألحقه بما يُقارب ربع سكان البلاد. ورغم مرور عقود، ما زالت آثار الصدمة قائمة: مؤسسات ضعيفة، مجتمع مشروخ، وطبقة سياسية تتحكم بها الولاءات لا الكفاءة.

2. صعود هون سين وتحول البلاد

منذ التسعينات، هيمن "هون سين" على الحياة السياسية، مستفيدًا من دعم خارجي وتحكم داخلي شبه مطلق. نجح في تقديم الاستقرار كأداة للبقاء، لكن على حساب الحريات السياسية وتوازن القوى، مما خلق نموذجًا سلطويًا ناعمًا.

3. الصين.. الحليف الذي يبتلع

شكّل تحالف كمبوديا مع الصين نقطة تحول. استثمارات بالمليارات، مشروعات بنى تحتية، وقاعدة بحرية غامضة في "ريام" تُثير قلق واشنطن. إلا أن هذا التحالف لم يكن مجانيًا: تغلغل صيني في الاقتصاد، وقروض مُكبلة، واعتماد متزايد على بكين.

4. الغرب.. العقوبات كأداة إخضاع

من جهته، لم يتردد الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة في فرض عقوبات على كمبوديا بذريعة قمع المعارضة. لكن خلف الشعارات، يظهر القلق الغربي من النفوذ الصيني المتصاعد، ومحاولات تطويع كمبوديا كأداة ضغط في مواجهة بكين.

5. الديمقراطية المؤجلة

في كل مرة تُعلن المعارضة نية العودة، تُقابل بموجة اعتقالات أو قوانين انتخابية مفصّلة. هون سين لا يخفي احتقاره للديمقراطية الغربية، ويفضل نموذج بكين: "تنمية بدون مساءلة". هذا النموذج يلقى قبولًا شعبيًا نسبيًا في ظل غياب بدائل حقيقية.

6. الاقتصاد بين النمو والتبعية

نمو الاقتصاد الكمبودي يتجاوز 6% سنويًا، مدفوعًا بالاستثمارات الصينية والقطاع الصناعي. إلا أن التركيبة هشة: الاعتماد على قطاعات محددة، وتراجع العلاقات التجارية مع أوروبا بسبب العقوبات، مما يهدد بانكشاف مفاجئ عند تغير التحالفات.

7. القاعدة البحرية: فخ السيادة؟

الاتفاق المثير للجدل مع الصين لتوسعة قاعدة "ريام" يثير تساؤلات حول السيادة. هل تستبدل كمبوديا استعمارًا ناعمًا صينيًا بآخر غربي؟ أم أن القاعدة مجرد ورقة ضغط في لعبة توازنات أكبر؟

8. موقع استراتيجي أم ساحة تنازع؟

تقع كمبوديا بين فيتنام وتايلند، وفي قلب التمدد الصيني نحو بحر الصين الجنوبي. هذا الموقع يجعلها مطمعًا دائمًا، وأداة في الصراع الأمريكي-الصيني. لكنّ الدولة نفسها تبدو بلا مشروع وطني حقيقي سوى البقاء.

الخاتمة

كمبوديا ليست دولة هامشية كما يتصور البعض. إنها مرآة لتجاذب النفوذ في آسيا، ونموذج عن كيف تتحول الدول الصغيرة إلى رهائن في لعبة الكبار. بقدر ما تقدم كمبوديا دروسًا عن الاستقرار بعد الحرب، فهي تطرح أسئلة مقلقة عن ثمن هذا الاستقرار، وعن معنى السيادة في زمن النفوذ غير المباشر.

سلسلة: دولة تحت المجهر

+
أحدث أقدم

ويجيد بعد المقال


تنويه: هذا المقال (أو المحتوى) يقدم تحليلاً إعلامياً موضوعياً، ويخلو تماماً من أي تحريض أو دعوة للعنف، ويعكس رؤية نقدية متوازنة للأحداث، مع الالتزام التام بالأطر القانونية والمعايير المهنية.

✉️ 📊 📄 📁 💡