
المصطلح: تعريف أم سلاح؟
في الأصل، "السامية" مصطلح لغوي وإثني يشير إلى مجموعة من الشعوب الناطقة بلغات سامية، مثل العرب واليهود والآشوريين والفينيقيين وغيرهم. لكن الغرب الحديث، ومنذ أواخر القرن التاسع عشر، ضيّق هذا المفهوم ليجعله حكرًا على اليهود، ثم طوّره سياسيًا ليُصبح "معاداة السامية" مرادفًا لمعاداة اليهود وحدهم.
هنا بدأ الانزلاق الكبير: إذ لم يعد "معاداة السامية" يعني كراهية عنصرية لليهود، بل صار يُستخدم لوصف أي انتقاد للدولة الصهيونية أو سياساتها. وهكذا، صار كل من يعارض الاحتلال الإسرائيلي عرضة لتهمة أخلاقية تاريخية جاهزة، تُلغي شرعية أي موقف، وتُجهز على سمعة قائله.
التوظيف السياسي: أوروبا تكفّر عن ذنبها... في فلسطين
تاريخيًا، نشأت معاداة اليهود في أوروبا، لا في العالم العربي أو الإسلامي. أوروبا هي من مارست الاضطهاد، وحرقت، وأقصت، وهجّرت. لكن الغرب، وخصوصًا بعد الحرب العالمية الثانية، قرر أن يكفّر عن ذنبه التاريخي على حساب الفلسطينيين.
منذ ذلك الحين، تحوّلت "معاداة السامية" إلى درع أيديولوجي يحمي إسرائيل من أي نقد، حتى وإن جاء من يهود أنفسهم. لقد صارت تهمة تطارد السياسيين، والكتّاب، والمفكرين، وحتى منظمات حقوق الإنسان، إن هم اقتربوا من خطوط "النقد المحرّم".
في بعض الدول الأوروبية، أصبح مجرد التشكيك في الرواية الصهيونية أو انتقاد العدوان الإسرائيلي سببًا للملاحقة القانونية أو الحظر الإعلامي، تحت لافتة "معاداة السامية". وفي الولايات المتحدة، تتوالى مشاريع القوانين التي تُجرّم مقاطعة إسرائيل، باسم حماية اليهود من الكراهية.
حين يُجرّم النقد وتُحاصر الحقيقة
تهمة "معاداة السامية" اليوم لم تعد وصفًا لحالة عنصرية، بل أداة تستخدم لـ:
- قمع الرأي الآخر، وخصوصًا الأصوات المتضامنة مع فلسطين
- إسكات الصحفيين والمنصات الناقدة للجرائم الإسرائيلية
- تهديد الساسة الغربيين الذين يحاولون اتخاذ مواقف متوازنة
- محو النضال الفلسطيني من الوعي الجمعي، وتجريمه أخلاقيًا
كل هذا يحدث في الوقت الذي تتجاهل فيه هذه التهمة السامية الحقيقية للعرب، الذين هم أيضًا شعوب سامية. بل تُشرعن التهمة عنصريةً جديدة، حين تُعامل معاداة اليهود كجريمة كونية، بينما يُترك التحريض ضد المسلمين والعرب دون مساءلة.
تفكيك التضليل: لا تُعاد السامية من ينتصر للحق
يجب أن نفرّق بوضوح بين معاداة اليهود كدين أو كأصل إثني، وهي أمر مدان أخلاقيًا، وبين رفض المشروع الصهيوني العنصري، وانتقاد الاحتلال والاستيطان، وهو موقف مشروع سياسيًا وأخلاقيًا وإنسانيًا.
إن معاداة السامية، كما تُستخدم اليوم، لم تعد وسيلة لحماية الإنسان اليهودي، بل أداة لشرعنة القتل، وإسكات المظلوم، وقلب الوقائع. إنها سيف يُشهر في وجه من يقول: "كفى للاحتلال".