مصطلحات مضللة: الديمقراطية: حين تُستخدم لتبرير الحصار والتجويع

لا توجد كلمة أُفرِغت من معناها واستُهلكت في تبرير الجرائم كما فُعل بـ"الديمقراطية". فهي اليافطة التي تُرفع في كل غزو، والشعار الذي يُرفرف فوق كل حصار، والمبرر الذي يُعلَن في كل تدخل خارجي. لقد تحوّلت "الديمقراطية" من قيمة سياسية نبيلة إلى سلاح أيديولوجي استعماري ناعم، يُستخدم لا لنشر الحرية، بل لفرض الخضوع.

ديمقراطية بمقياس مزدوج

يُفترض بالديمقراطية أن تكون حكم الشعب واختيار الأمة. لكن الواقع يكشف أنها مقبولة فقط حين تأتي بالنتيجة المطلوبة للغرب. فإن انتخب الناس من يوافق هوى واشنطن، نُصِّبت النتيجة رمزًا للشرعية. أما إن جاءت صناديق الاقتراع بمن يرفض الإملاءات الأجنبية أو يواجه الاحتلال، أُعلنت حالة الطوارئ في الإعلام، وتكفّلت الدبابات بإعادة تعريف "الإرادة الشعبية".

  • في الجزائر: أُلغيت نتائج الانتخابات بذريعة الخوف من الإسلاميين.
  • في فلسطين: حُوصرت غزة عقابًا على فوز حماس بانتخابات شرعية.
  • في مصر: دعمت الديمقراطيات الغربية انقلابًا عسكريًا على رئيس منتخب.

الديمقراطية إذًا ليست إلا قناعًا، يُنزع حين تتعارض صناديق الاقتراع مع أجندة القوة.

التجويع باسم الحرية

الأدهى أن المصطلح يُستخدم لتبرير الحصار والعقوبات، وكأن الشعوب لا تستحق الطعام إلا إذا انتخبت "بشكل صحيح". وهكذا، يصبح الطريق إلى الديمقراطية مفروشًا بالجوع، ويُقدَّم للمواطن خياران لا ثالث لهما: إما الطاعة، أو العقوبة الجماعية.

  • في العراق، سُحق المجتمع 13 عامًا بحصار دمّر كل مقومات الحياة، بحجة أنه لا يوجد "نظام ديمقراطي".
  • في غزة، يُجوَّع مليونَي إنسان لأنهم اختاروا حكومة لا تُعجب تل أبيب.
  • في سوريا، واليمن، وفنزويلا، تُفرض العقوبات باسم حقوق الإنسان، لتُنتج مآسي إنسانية بحجم دول.

فهل هذه ديمقراطية، أم نظام عالمي يُعاقب الشعوب حين ترفض الوصاية؟

ديمقراطية بلا سيادة

المفارقة الكبرى أن الدول التي يروّج الغرب فيها للديمقراطية، تُمنع من امتلاك قرارها. فالديمقراطية هناك تُختزل في العملية الانتخابية، أما السيادة، والاستقلال، وتحرير القرار الوطني، فليست من شروط اللعبة.

بل إن بعض "الديمقراطيات النموذجية" في العالم العربي، تُموَّل استخباراتيًا من الخارج، وتُسيَّر إعلاميًا من غرف تحكم أجنبية، وتُراقب اختياراتها بعينٍ لا ترحم، في حال مالت الكفة لغير المأمول.

تفكيك التضليل: الديمقراطية لا تُفرض من فوهة البندقية

الديمقراطية الحقيقية لا تُصنع بالحروب، ولا تُفرض بالشروط، ولا تُقاس بنتيجة انتخابية واحدة. إنها عملية متكاملة تبدأ بتحرير الإرادة، وتنتهي بتمكين الشعوب من تقرير مصيرها دون تدخل.

حين يستخدم الأقوياء الديمقراطية كذريعة للقصف، والحصار، والتجويع، فإنهم لا ينشرون قيمها، بل يفرغونها من معناها. الديمقراطية ليست أداة هندسة سياسية غربية، بل عقد داخلي بين الشعوب ومصيرها.

سلسلة: مصطلحات مضللة شائعة

+
أحدث أقدم

ويجيد بعد المقال


تنويه: هذا المقال (أو المحتوى) يقدم تحليلاً إعلامياً موضوعياً، ويخلو تماماً من أي تحريض أو دعوة للعنف، ويعكس رؤية نقدية متوازنة للأحداث، مع الالتزام التام بالأطر القانونية والمعايير المهنية.