مصطلحات مضللة: خطاب الكراهية: كعندما تُقمع حرية التعبير باسم مكافحة العنصرية

في زمن التلاعب بالمفاهيم، لم يَعُد "خطاب الكراهية" يعني الترويج للكراهية، بل أصبح أداة تُستخدم لقمع الخطاب المقاوم، وتشويه السردية المُعارِضة، وتجريم الأصوات التي تفضح الظلم. المصطلح في أصله أخلاقي، لكنه حين يقع في يد سلطة منحازة، يتحوّل إلى سوط أخلاقي يُسلّط على رقاب المظلومين.

في ظاهرة تبدو متناقضة، يُرفع شعار مكافحة خطاب الكراهية لمحاربة التمييز والعنصرية، لكنه في الواقع كثيرًا ما يُوظّف لتكميم الأفواه، وقمع الأصوات التي تُنتقد سياسات الهيمنة والاحتلال. فكيف تحوّلت حملة من أجل العدالة الاجتماعية إلى أداة لقمع الحريات؟ وكيف يُستخدم "خطاب الكراهية" لتبرير رقابة انتقائية لا تخدم المساواة، بل تُعاقب المظلومين؟

تعريف مفخخ: مَن يضع الخط الأحمر؟

"خطاب الكراهية" يُعرَّف بأنه خطاب يُحرّض على العنف أو الكراهية ضد فئة ما، بسبب دينها أو عرقها أو جنسها أو هويتها. تعريفٌ يبدو واضحًا على المستوى النظري، لكنه سرعان ما ينكشف كأداة بيد السلطة، إذ يُطبّق بشكل انتقائي.

فعندما يَنتقد صحفي جرائم الاحتلال الإسرائيلي، يُتَّهم بأنه يُحرّض على الكراهية. بينما إذا بثّت وسائل الإعلام الغربية أو الصهيونية تحريضًا يوميًا ضد العرب والمسلمين، يُعدّ ذلك "تحليلاً سياسيًا". أي أن السقف الأخلاقي يُرفع حين تُنتقد القوة، ويُخْفَض حين تُدافع عن مصالحها.

قمع النقد باسم المساواة؟

في الغرب، خصوصًا بعد أحداث 11 سبتمبر، ومع تصاعد النفوذ الصهيوني، أصبح الحديث عن فلسطين، أو الدفاع عن المقاومة، أو فضح المجازر التي ترتكبها الأنظمة المدعومة غربيًا، يُعرّض الكاتب أو الإعلامي أو الطالب لتهمة "نشر خطاب كراهية".

وباسم هذه التهمة:

  • يُفصل أساتذة جامعيون بسبب مقالاتهم
  • تُغلق منصات إعلامية بدعوى التحريض
  • تُراقب منشورات الطلاب وتُحجب حملات التضامن مع غزة
  • وتُخضع الخطب الدينية والقنوات المستقلة للرقابة

لكن العجيب أن كل هذا لا يحدث حين يكون الخطاب موجهًا ضد المسلمين، أو اللاجئين، أو المهاجرين. بل إن بعض هذه الخطابات تُروّج رسميًا تحت شعار "حرية التعبير"، لا سيما في ظل تصاعد الخطاب الإسلاموفوبي في دول الغرب.

محاربة العنصرية أم تعزيزها؟

حين تُستخدم قوانين خطاب الكراهية بشكل انتقائي، فإنها لا تحارب التمييز، بل تعزّزه. تتحول من أداة لحماية الفئات المهمّشة، إلى ذراع رقابية تمنع فضح التمييز الحقيقي، وتعاقب المظلوم بدلًا من إنصافه.

النتيجة أن من يفضح الظلم يُصنّف خطرًا على "التعايش"، ومن ينتقد الاستعمار يُتّهم بالتحريض، ومن يكتب عن معاناة الضحايا يُحاسَب باسم "الكراهية". وبهذا، تُخنق الحركات الحقوقية، وتُكبح حرية التعبير، ويُفرض صمت أخلاقي على الضحية.

هذا التضليل يجعل المجتمعات تعيش في تناقض دائم: تُكافح الكراهية بسيف الرقابة، وتُدين العنصرية بينما تشرعنها في الممارسة.

الكراهية الحقيقية: من الذي يُحاصر الشعوب ويقصفها؟

الكراهية ليست في الكلمات فقط، بل في السياسات:

  • حين تُمنع الشعوب من الماء والكهرباء
  • حين يُقتل الأطفال وتُقصف المستشفيات
  • حين تُسحق الهويات باسم "الحداثة"
  • حين يُشيطن الآخر ويُختزل في صورة عنفية

فهل حقًا من يكتب مقالًا عن فلسطين يُحرّض على الكراهية، أم من يبرّر قصف المنازل وقتل العائلات؟

من يُقرر ما هو "تحريض" وما هو "حق في التعبير"؟ من يحدد إن كان الغضب من الظلم خطاب كراهية، أم صرخة إنسانية؟

تفكيك التضليل: من لا يكره الظلم، فقد مات ضميره

العدالة لا تُبنى على صمت المظلومين، ولا على حياد كاذب يُساوي بين الضحية والجلاد. ليست كل كراهية مذمومة، فثمة كراهية ضرورية: كراهية الظلم، كراهية القمع، كراهية العنصرية.

أما أن يُطلَب من المظلوم أن يُخفف لهجته كي لا يُتّهم بـ"خطاب كراهية"، فتلك سخرية أخلاقية قاتلة، تُحوِّل المعاناة إلى جريمة، والصراخ من تحت الأنقاض إلى تهديد للسلم العالمي.

إن إسكات صوت الحق تحت ذريعة "خطاب الكراهية" هو خيانة لقيم العدالة والحرية. فالمواجهة الحقيقية لا تكون بحجب الغضب المشروع، بل بإنصاف المظلوم، وكسر احتكار السلطة لتعريف الأخلاق.

سلسلة: مصطلحات مضللة شائعة

+
أحدث أقدم

ويجيد بعد المقال


تنويه: هذا المقال (أو المحتوى) يقدم تحليلاً إعلامياً موضوعياً، ويخلو تماماً من أي تحريض أو دعوة للعنف، ويعكس رؤية نقدية متوازنة للأحداث، مع الالتزام التام بالأطر القانونية والمعايير المهنية.