مصطلحات مضللة: إنكار المحرقة: أين ينتهي البحث التاريخي ويبدأ السجن؟

من بين كل الجرائم التاريخية، لا توجد جريمة حُصّنت قانونيًا وإعلاميًا كما حُصّنت "الهولوكوست". إنها ليست فقط ذكرى مأساوية، بل أرض محرّمة لا يُسمح لأحد بدخولها إلا بخطاب واحد، وصيغة واحدة، وتفسير واحد. وكل من يُحاول أن يناقش التفاصيل، أو يطرح تساؤلات تاريخية، يُنبذ فورًا بتهمة "إنكار المحرقة"… حتى لو لم يُنكرها.

لكن هل يمكن أن تتحوّل الحقيقة إلى مقدّس لا يُمس؟ وهل تتحوّل المراجعة العلمية إلى جريمة فكرية؟ هذا ما سنفككه.

من المأساة إلى الممنوع: تطور التابو

المحرقة النازية بحق يهود أوروبا كانت فصلاً مظلمًا من القرن العشرين، لا جدال في بشاعته. لكن التحوّل الذي جرى لاحقًا هو أن هذه الجريمة، بدل أن تبقى ذكرى إنسانية مؤلمة، تحوّلت إلى ذريعة سياسية وقانونية، ثم إلى أداة أيديولوجية.

  • فُرضت قوانين تجرّم أي نقاش حول الأرقام، أو الوسائل، أو الخلفيات السياسية.
  • مُنع مؤرخون من التدريس، وسُجن باحثون، وطُرد مثقفون لأنهم سألوا أسئلة غير مرغوبة.
  • وفي المقابل، استُخدمت هذه الجريمة لتبرير مشاريع استعمارية، على رأسها قيام "إسرائيل".

من "الإنكار" إلى "عدم الخنوع للسردية الرسمية"

الخطير في تهمة "إنكار المحرقة" أنها لا تقتصر على الإنكار الصريح، بل تشمل كل من:

  • يُشكك في بعض الأرقام المعلنة.
  • يُقارن المحرقة بجرائم أخرى، كنكبة فلسطين أو مجازر أفريقيا.
  • يتساءل عن دور الصهيونية في استثمار المحرقة بعد الحرب.
  • يرفض أن تُستخدم هذه المأساة كذريعة لتبرير قمع الفلسطينيين.

أي محاولة لكسر التابو، حتى لو كانت بحثًا علميًا، تُواجَه بآلة تخوين قانونية وإعلامية.

التسييس المتعمد: بين الذكرى والابتزاز

لا أحد يُنكر أن المحرقة وقعت، وأنها كانت جريمة مرعبة. لكنّ ما يُراد فرضه هو أكثر من ذلك: أن تتبنى رواية معينة، دون سؤال، وتقبل نتائجها السياسية دون نقاش.

  • هل يُعقل أن تُمنع كتب في أوروبا لأنها تناقش المحرقة من زاوية مختلفة؟
  • هل من المنطقي أن تكون هناك حرية للتشكيك في كل شيء، من الأديان إلى النكبات، ما عدا المحرقة؟
  • ولماذا يُجرّم كل من يربط بين المحرقة وبين ما يرتكبه الاحتلال الإسرائيلي من جرائم مشابهة؟

الجواب بسيط: لأن هذه القضية أُخرجت من التاريخ، وأُدخلت في صميم أجندة الهيمنة الغربية، وأُحكمت القوانين حولها لضمان استمرار المشروع الصهيوني محصّنًا من النقد.

تفكيك التضليل: من يريد الحقيقة لا يخشاها

الحقيقة لا تخاف من البحث، ولا من التساؤل. والمآسي الكبرى لا تُهان بالمراجعة، بل تُهان حين تُستخدم لابتزاز العالم وتبرير العدوان. إن تحويل المحرقة إلى "تابو فكري" يخدم السردية الصهيونية أكثر مما يخدم الضحايا الحقيقيين.

نحن لا ننكر المحرقة، بل نرفض أن تُستخدم كسلاح لإسكات الضحايا الجدد. لا نُشكك في المأساة، بل نُشكك في من سرقها واحتكرها.

سلسلة: مصطلحات مضللة شائعة

+
أحدث أقدم

ويجيد بعد المقال


تنويه: هذا المقال (أو المحتوى) يقدم تحليلاً إعلامياً موضوعياً، ويخلو تماماً من أي تحريض أو دعوة للعنف، ويعكس رؤية نقدية متوازنة للأحداث، مع الالتزام التام بالأطر القانونية والمعايير المهنية.