
مجتمع بلا سيادة
في السياق العربي، لم يُستخدم مصطلح "المجتمع المدني" فقط لوصف النقابات أو الجمعيات الخيرية، بل غدا غطاءً لمنظومة واسعة من المنظمات المموّلة خارجيًا، والتي تروّج لسرديات بعينها، وتعمل أحيانًا كأذرع ثقافية أو سياسية لجهات أجنبية.
فبدلًا من تعزيز المجتمعات من الداخل، يُعاد تشكيلها عبر أدوات ناعمة، تُفرغ السيادة من مضمونها، وتُحاصر المؤسسات الوطنية بصيغة "المواطَنة العالمية"، حيث لا دولة تُحاسِب، ولا شعب يُقرِّر، بل "شركاء تنمويون" يرسمون الأولويات.
مؤسسات أم وكلاء تأثير؟
كثير من مؤسسات "المجتمع المدني" ليست سوى صناديق بريد لنقل الأجندات الخارجية، سواء عبر التدريب والتأهيل وفق منظومة قيم غربية، أو عبر الضغط لتعديل قوانين وتشريعات تحت ذريعة "التحديث".
وهكذا تتحوّل هذه المؤسسات من أدوات مشاركة شعبية إلى أدوات اختراق ناعم، تعيد تشكيل البيئة القانونية، والتربوية، والثقافية، بما يتماشى مع شروط "المانحين".
استبدال المرجعيات
الخطير في هذه المنظومة أنها لا تصطدم بالجيوش ولا تستعمل الدبابات، بل تغيّر المرجعيات ببطء:
من الشريعة إلى "الحقوق الدولية"،
من القيم المحلية إلى "الاتفاقات الأممية"،
من العقد الاجتماعي إلى "الممارسات الفضلى بحسب الأمم المتحدة".
كل ذلك تحت لافتة براقة: "دعم المجتمع المدني"، بينما يجري تذويب هوية المجتمع نفسه.
سلسلة: مصطلحات مضللة شائعة