إضعاف اليمن اقتصاديًا: ما الدوافع الحقيقية؟

 
في قلب الصراعات التي تعصف باليمن، تتجاوز المواجهات العسكرية حدود الأرض والسماء إلى معركة أعمق وأخطر، هي معركة الاقتصاد والموارد. لم تكن الحروب على اليمن عشوائية أو محض تصادمات عسكرية داخلية، بل تشكّل جزءًا من مشروع استراتيجي لشلّ الدولة، وإضعافها اقتصاديًا حتى تصبح عاجزة عن الفعل السياسي والاقتصادي المستقل. فما هي الدوافع الحقيقية وراء هذا الإضعاف المنهجي؟

اليمن بوابة استراتيجيات إقليمية ودولية

اليمن بموقعه الجغرافي الجيوسياسي الفريد على مضيق باب المندب، المدخل الجنوبي للبحر الأحمر، يُعدّ من أبرز النقاط الاستراتيجية في العالم. هذا المضيق يربط بين المحيط الهندي والبحر الأحمر ومنه إلى قناة السويس، أي أنه يشكّل شريانًا حيويًا لحركة التجارة الدولية، خصوصًا لنقل النفط والسلع من الخليج إلى أوروبا وأميركا. من يتحكم في اليمن، يمكنه أن يؤثر على الملاحة العالمية، ولهذا تحوّل إلى ساحة تنافس جيوسياسي بين القوى الكبرى والإقليمية.

اليمن ومضيق باب المندب: مفتاح التجارة البحرية

لا يمكن فهم الحصار الاقتصادي على اليمن دون التوقف عند أهمية مضيق باب المندب. هذه البوابة البحرية الاستراتيجية تجعل من اليمن طرفًا محتملًا فاعلًا في التحكم بالتجارة العالمية، أو فرض رسوم عبور، أو تأسيس موانئ قادرة على منافسة مرافئ المنطقة.

لكن بدل أن يتحوّل هذا الموقع إلى مصدر قوة للبلاد، تم تحويله إلى نقطة ضعف عبر خلق حالة دائمة من الفوضى والصراع. تعطيل اليمن اقتصاديًا يُقصيه من أي معادلة بحرية مؤثرة، ويفتح المجال أمام آخرين لاحتكار طرق التجارة والربح.

من المستفيد من تعطيل اليمن؟

  1. الكيان الصهيوني، الذي يعتبر أمن مضيق باب المندب جزءًا من استراتيجيته العسكرية والاقتصادية، ويرى في بروز يمن قوي تهديدًا لممراته البحرية.

  2. الدول الخليجية المنافسة، التي تخشى من نهضة يمنية تؤسس موانئ بحرية قادرة على سحب جزء من التجارة الدولية، ما يُضعف مكانة مرافئها الكبرى كمرافئ دبي وجدة والدمام.

  3. الدول الغربية الكبرى، وعلى رأسها الولايات المتحدة وبريطانيا، اللتان تسعيان إلى الإبقاء على اليمن تحت وصاية غير مباشرة، عبر تعطيل إمكانياته الاقتصادية ومنع قيام منظومة استقلال اقتصادي قد تفتح الباب أمام سياسات وطنية غير مرتهنة.

إضعاف الاقتصاد: خطة ممنهجة لتعطيل الدولة

استهداف اليمن اقتصاديًا لم يكن عرضيًا، بل يتم عبر أدوات دقيقة ومنهجية:

  • حصار الموانئ والمطارات، وتعطيل خطوط النقل الأساسية، ما يوقف حركة التصدير والاستيراد ويعزل الاقتصاد عن العالم.
  • ضرب القطاعات الإنتاجية، وعلى رأسها الزراعة والصيد، مما أفقد الملايين مصادر دخلهم، وعمّق الفجوة الغذائية.
  • احتجاز عائدات النفط والغاز، في بنوك أجنبية أو مناطق خارجة عن سيطرة الدولة المركزية، ما يوقف دورة الاقتصاد الطبيعي.
  • إضعاف العملة الوطنية بشكل متعمد، عبر سياسة مضاربة موجهة، وغياب غطاء نقدي كافٍ، مما أدى إلى انهيار القدرة الشرائية، وارتفاع معدلات الفقر والتضخم.

الهدف: تفكيك الدولة وفرض التبعية

ما يحدث في اليمن ليس مجرد آثار جانبية لحرب، بل مشروع واضح المعالم يهدف إلى:

  • إفراغ الدولة من مؤسساتها السيادية.
  • فرض التبعية الاقتصادية للممولين والمشرفين على إعادة الإعمار المحتملة.
  • خلق بيئة عدم استقرار دائمة تبرر التواجد العسكري والسياسي الخارجي.
  • قطع الطريق أمام أي مشروع استقلال وطني اقتصادي أو سياسي.

العواقب على الشعب اليمني

يدفع المواطن اليمني وحده ثمن هذه الحرب الاقتصادية، من فقر مدقع إلى انهيار الخدمات الأساسية، وارتفاع نسب سوء التغذية والأمراض، وانعدام فرص العمل. وبدل أن تُستخدم ثروات البلاد في البناء، تُحوّل إلى أداة في معركة تكسير الإرادة.

هل هناك أفق للتعافي؟

أي تسوية سياسية لن تكون ذات معنى دون إعادة بناء الاقتصاد اليمني على أسس وطنية، وتحرير موارده من قبضة الخارج. يتطلب ذلك:

  • رفع الحصار البحري والجوي.
  • تمكين المؤسسات الاقتصادية الوطنية.
  • إعادة ربط الموانئ والمطارات بالسوق العالمية.
  • استعادة السيطرة على عائدات الدولة.

لكن ذلك لن يتم دون وعي شعبي وسياسي بأن المعركة في جوهرها اقتصادية سيادية، وليست مجرد نزاع داخلي.

الخلاصة: إضعاف اليمن اقتصاديًا هو رأس الحربة في مشروع أكبر لتفكيك قدرته على الاستقلال والمقاومة، وجعله ساحة مفتوحة أمام نفوذ متعدد الجنسيات. وما لم يُكسر هذا الطوق الاقتصادي، فإن أي محاولة لبناء دولة حقيقية ستبقى معلّقة في الهواء.

+
أحدث أقدم

ويجيد بعد المقال


تنويه: هذا المقال (أو المحتوى) يقدم تحليلاً إعلامياً موضوعياً، ويخلو تماماً من أي تحريض أو دعوة للعنف، ويعكس رؤية نقدية متوازنة للأحداث، مع الالتزام التام بالأطر القانونية والمعايير المهنية.