
30 يوليو 2025: في تحرك سياسي لافت، أصدرت وزارة الخزانة الأمريكية تحذيرًا إلى الصين بأن استمرارها في استيراد النفط من روسيا قد يعرّضها لرسوم جمركية تصل إلى 100٪، في محاولة جديدة لتضييق الخناق على موسكو من جهة، واختبار التزام بكين بالعقوبات الغربية من جهة أخرى. لكن ما يبدو موقفًا اقتصاديًا في الشكل، يخفي في العمق اشتباكًا جيواستراتيجيًا يتجاوز بكثير ملف الطاقة.
ما وراء التحذير الأمريكي؟
الرسالة ليست موجهة فقط إلى بكين، بل إلى عدة أطراف في آنٍ واحد:
- إلى روسيا: بأن واشنطن ما زالت قادرة على ضرب أسواقها حتى في ظل التفافات الشرق.
- إلى الصين: بأن مصالحها التجارية مع الغرب ليست بمنأى عن العقاب.
- إلى أوروبا: لإظهار جدية أمريكا في منع تمويل آلة الحرب الروسية.
لكن في الجوهر، يحمل هذا التهديد مؤشرًا على قلق واشنطن من تحولات النظام العالمي، ومحاولات الدول الكبرى كسر احتكار الغرب للعقوبات عبر بناء شبكات تبادل بديلة.
هل تلتزم الصين فعلًا بالعقوبات على روسيا؟
من الناحية القانونية، لا تخضع الصين لأي التزام دولي بهذه العقوبات، طالما لم تُفرض من مجلس الأمن. لكنها تدرك أن العقوبات "الثانوية" الأمريكية يمكن أن تستهدف شركاتها وتُعطل وصولها إلى الأسواق الغربية.
وعليه، فإن سلوك بكين يقوم على سياسة التوازن الدقيق:
- تستمر في استيراد النفط الروسي بكثافة، وبأسعار تفضيلية.
- تتفادى إرسال دعم عسكري مباشر لروسيا.
- تفرض على بعض بنوكها الكبرى قيودًا ذاتية على التعامل مع مؤسسات روسية لتجنّب العقوبات.
هل التهديد الأمريكي فعّال؟
الفعالية هنا نسبية. التهديد قد يُرهب شركات صينية صغيرة ومتوسطة، لكنه لن يُجبر الدولة على تغيير سياستها بالكامل. بل ربما يدفعها إلى تسريع مشاريعها الاستراتيجية مع روسيا، مثل تسوية الصفقات باليوان والروبل، وتوسيع التحالفات خارج الدولار.
السيناريو الأسوأ من منظور أمريكي هو أن تؤدي الضغوط المتكررة إلى تعزيز استقلال الصين وروسيا عن النظام المالي الغربي، ما يُضعف أدوات الردع الاقتصادي في المدى الطويل.
ماذا يُخفي الخطاب الأمريكي؟
يُراد من الخطاب أن يبدو وكأنه جزء من حملة "منع تمويل الحرب"، لكنه في الواقع يعكس منطقًا أحاديًا يُحمّل أطرافًا غير غربية مسؤولية استمرار النزاعات، في حين تُستثنى الأطراف الغربية من المحاسبة رغم مبيعات السلاح ودعم الحروب بالوكالة.
فالضغط على الصين لا ينبع من "مبدأ"، بل من خوف استراتيجي من تنامي دورها كوسيط اقتصادي دولي خارج المنظومة الغربية، خاصة إذا نجحت في تجاوز العقوبات دون كلفة تُذكر.
خلاصة تحليلية
التحذير الأمريكي ليس مجرد تكتيك اقتصادي، بل أداة في صراع نفوذ يتسارع عالميًا. الصين ليست طرفًا مباشرًا في الحرب، لكنها تتحول إلى لاعب مُقرر في اقتصاد ما بعد الحرب. ورفضها الانصياع الكامل للعقوبات الغربية هو إعلان ضمني عن نهاية الحقبة الأحادية.
وبينما تزداد واشنطن تشددًا في استخدام أدواتها المالية، تزداد بكين براعة في التملّص والمراوغة. فلا التهديد بالرسوم سيوقف وارداتها من النفط الروسي، ولا الضغوط ستُغيّر مسارها الاستراتيجي طالما البدائل تُمكنها من تفادي المواجهة دون تقديم تنازلات.