
1. السردية المُعلنة: مطاردة القاعدة وتحرير النساء
بُني الغزو الأمريكي على مبرر مباشر: الرد على هجمات 11 سبتمبر، وتفكيك قواعد تنظيم القاعدة في أفغانستان.
لاحقًا، توسّعت السردية لتشمل أهدافًا "إنسانية":
- إسقاط طالبان لأنها ترفض الحداثة.
- تحرير المرأة الأفغانية من القيود الدينية.
- إقامة "ديمقراطية حديثة" على النمط الغربي.
الإعلام الأمريكي رسم صورة ملحمية لمعركة الخير ضد الشر، وكأن الحرب مقدسة. لكن الواقع لم يكن كذلك.
2. الدوافع الحقيقية: ما وراء الجبال والعمائم
أفغانستان لا تملك ثروات نفطية ضخمة، لكن أهميتها تكمن في موقعها الجيوسياسي الفاصل بين:
الصين، روسيا، إيران، باكستان. من هنا كانت دوافع الحرب أكثر تعقيدًا:
- إعادة تثبيت الهيبة الأمريكية عالميًا بعد ضربة 11 سبتمبر.
- محاصرة النفوذ الروسي والصيني في آسيا الوسطى.
- تحويل البلاد إلى قاعدة أمامية دائمة في قلب آسيا.
- ضمان خطوط عبور الطاقة من بحر قزوين دون المرور بروسيا أو إيران.
- استعراض القوة لإرسال رسالة للعالم: "أمريكا لا تُضرب بلا عقاب".
3. أساليب التنفيذ: احتلال معولم
- دخلت أمريكا بأوسع تحالف دولي تحت راية "الناتو".
- أُنشئت حكومة أفغانية موالية من المنفى، سرعان ما غرقت في الفساد والمحسوبية.
- أُنشئت قواعد ضخمة، واختُبرت فيها أحدث تقنيات الحرب.
- جُندت عشرات الشركات الخاصة (بلاك ووتر وغيرها) لتنفيذ المهام القذرة.
- فُرضت منظومة تعليم وقانون وإعلام مستنسخة من النمط الأمريكي، بلا جذور اجتماعية.
4. النتائج: الديمقراطية الورقية وسقوطها الفوري
رغم كل شيء، انهارت الدولة التي بنتها أمريكا خلال أسبوعين فقط بعد الانسحاب، مما كشف:
- هشاشة النظام المفروض خارجيًا.
- غياب الولاء الشعبي للحكومة العميلة.
- استمرار حضور طالبان في العمق القبلي والاجتماعي.
- فشل "مشروع بناء الدولة" رغم مليارات الدولارات التي أُنفقت.
لقد سقطت كابول كما سقطت سايغون قبلها: تحت أقدام الذين قيل إنهم هُزموا.
5. من الذي ربح ومن الذي خسر؟
- الولايات المتحدة خسرت استراتيجيًا: الهيبة، الصورة، الثقة.
- طالبان ربحت بالانتظار: انسحبت أمريكا وعادت هي بلا قتال.
- الشعب الأفغاني خسر عقدين من الدماء والانقسام.
- الشركات الأمريكية ربحت: عقود الإعمار، السلاح، تدريب الجيوش، حتى زراعة الأفيون ازدهرت في ظل الاحتلال.
- الصين وروسيا راقبتا الدرس: أن أمريكا لا تستطيع بناء دولة، ولا حسم معركة.
6. ارتدادات الفشل: من كابول إلى واشنطن
- أصيب الرأي العام الأمريكي بالإرهاق من "الحروب التي لا تنتهي".
- ازدادت الأصوات المنادية بالانعزال وتقليص التدخلات.
- تحطّمت صورة "الجيش الذي لا يُقهر".
- صُدم حلفاء أمريكا من طريقة الانسحاب المفاجئ.
- تراجعت الثقة بالناتو كأداة فعّالة في الحروب الطويلة.
خاتمة: الدرس الذي لا يُراد تعلّمه
ربما كانت أفغانستان أكثر من مجرد هزيمة عسكرية: كانت فضيحة استراتيجية، كشفت أن القوة لا تصنع استقرارًا، وأن الشعوب لا تُبنى بالقنابل. لكنها أيضًا لم تكن استثناءً، بل جزءًا من نفس العقلية التي تحكم الحروب الأمريكية:
الحل دائمًا عسكري، والمشكلة دائمًا خارج الذات الأمريكية.
لكن الانسحاب من كابول لم يُنهِ هذا النمط. لقد غيّر فقط شكله. فالحروب ما زالت مستمرة: أحيانًا بطائرات، وأحيانًا بعقوبات، وأحيانًا بوكلاء.
وأفغانستان؟ تُركت مرة أخرى لمصيرها، بعد أن كانت "المختبر الأخلاقي" لعقود من الوهم.