الحروب الأمريكية: ليبيا: كيف اغتيلت دولة تحت راية حماية المدنيين؟

ليبيا كانت دولة مستقرة نسبيًا قبل عام 2011، لكن تدخل الناتو بقيادة الولايات المتحدة وفرنسا والمملكة المتحدة، بحجة حماية المدنيين من نظام معمر القذافي، قلب البلاد رأسًا على عقب. تحت ستار "المسؤولية بحماية المدنيين"، لم تكن العملية مجرد تدخل إنساني، بل كانت اغتيالًا ممنهجًا لدولة ذات سيادة، أدّى إلى تفكيكها وانهيار مؤسساتها، وفتح أبواب الفوضى التي لا تزال ليبيا تغرق فيها حتى اليوم. فما حقيقة الدور الأمريكي في ليبيا؟ وما كانت دوافعه الحقيقية؟ وكيف نُفذ التدخل وما نتائجه؟

1. السردية الرسمية: حماية المدنيين ومنع المجازر

روّجت واشنطن وبروكسل للناتو بأنها تدخلت لإنقاذ الشعب الليبي من "مجزرة وشيكة" على يد نظام القذافي، خاصة في مدينة بنغازي، ودعمت قرار مجلس الأمن 1973 الذي سمح باستخدام القوة "لحماية المدنيين".

الإعلام الغربي تماهى مع هذا الخطاب، وصوّر القذافي كديكتاتور قاتل يقصف شعبه بلا رحمة، ما ولّد حالة إجماع مبدئي على التدخل.

2. الدوافع الحقيقية: إعادة هندسة البحر المتوسط

ما خفي كان أعظم:

  • محاولة تفكيك دولة كانت تمثل تحديًا للنفوذ الغربي في شمال أفريقيا.
  • السيطرة على النفط الليبي، الذي يعتبر من الأكثر غزارة وأرخص كلفة في العالم.
  • فتح الطريق أمام شركات الطاقة الغربية للهيمنة على الأسواق الإفريقية.
  • تمهيد طريق لنقل الغاز عبر البحر المتوسط إلى أوروبا، وتقويض مشاريع روسية أو تركية منافسة.
  • تقويض محاور المقاومة والإرهاب المتطرف التي كانت ليبيا تمثل تهديدًا لها.

3. آليات التدخل: من الضربات الجوية إلى الحرب بالوكالة

  • شنّ الناتو آلاف الغارات الجوية استهدفت مؤسسات الدولة والبنى التحتية.
  • دعم وتسليح فصائل المعارضة الليبية، وتحويل الحرب الأهلية إلى حرب بالوكالة.
  • استخدام الذرائع الإنسانية لتبرير القصف الذي طال المدنيين أحيانًا.
  • تجاهل عواقب تفكيك مؤسسات الدولة وانهيار الأمن الداخلي.

4. النتائج: دولة ممزقة وفوضى مستمرة

بعد سقوط نظام القذافي:

  • تفكّكت الدولة الليبية عمليًا بين مئات المليشيات المتناحرة.
  • عادت ليبيا لتكون معبرًا رئيسيًا للهجرة غير الشرعية إلى أوروبا.
  • انتشر الإرهاب والتطرف، وأصبحت قاعدة للعديد من الجماعات المسلحة.
  • تدخلت قوى إقليمية مختلفة، ما حول ليبيا إلى ساحة صراع دولي.
  • توقفت مؤسسات الدولة عن العمل، وتدهور الاقتصاد بشكل حاد.

5. ليبيا في الميزان الدولي

  • الولايات المتحدة وأوروبا استفادتا من بقاء البلاد في حالة اضطراب للتحكم في تدفق اللاجئين والسيطرة على مصادر النفط.
  • دول إقليمية مثل تركيا، الإمارات، ومصر استخدمت ليبيا لتعزيز نفوذها الإقليمي.
  • روسيا دخلت اللعبة لاحقًا عبر دعم ميليشيات معينة وحضور سياسي وعسكري.

الخاتمة

تدخل الناتو في ليبيا تحت شعار "حماية المدنيين" كان نقطة تحوّل دراماتيكية ليست فقط في ليبيا، بل في الاستراتيجية الغربية ككل. لقد أغتيلت دولة وأُهينت سيادتها في مشهد يكرّس نموذج الفوضى المُدارة كأداة للهيمنة، ويظهر هشاشة الخطاب الإنساني أمام المصالح الجيوسياسية والاقتصادية الكبرى.


وصف الصورة المقترحة

صورة واقعية مركبة تُظهر غارة جوية لطائرات حربية تحلق فوق العاصمة طرابلس، مع رؤية مبانٍ مدمرة وحرائق في الخلفية، وفي الزاوية يظهر علم ليبيا القديم مربوطًا بخيوط يشدها جنود غربيون في إشارة إلى السيطرة والتدخل.

+
أحدث أقدم

ويجيد بعد المقال


تنويه: هذا المقال (أو المحتوى) يقدم تحليلاً إعلامياً موضوعياً، ويخلو تماماً من أي تحريض أو دعوة للعنف، ويعكس رؤية نقدية متوازنة للأحداث، مع الالتزام التام بالأطر القانونية والمعايير المهنية.

✉️ 📊 📄 📁 💡