
أولًا: السياق التاريخي والتوقيت السياسي
تفكك الاتحاد السوفيتي ترك فراغًا في أوروبا الشرقية، وكان على الغرب – وخاصة الولايات المتحدة – أن يعيد تشكيل المشهد وفق مصالحه. يوغوسلافيا، الدولة المتعددة الأعراق والمستقلة عن المعسكرين، كانت هدفًا مناسبًا، خاصة بعد وفاة تيتو وانهيار التوازن الداخلي.
في التسعينيات، تصاعدت النزاعات القومية، لكن الغرب لم يتدخل لحل النزاع، بل ساهم في تأجيجه ثم تبرير التدخل العسكري لاحقًا باسم "حماية المدنيين".
ثانيًا: أهداف التدخل الأمريكي
- تفكيك الدولة الكبيرة إلى كيانات أصغر يسهل احتواؤها.
- توسيع حلف الناتو شرقًا تحت غطاء إنساني.
- فرض نموذج التدخل العسكري كأداة للسياسة الخارجية.
- استباق أي مشروع أوروبي مستقل أمنيًا أو سياسيًا.
الولايات المتحدة لم تكن تبحث عن سلام دائم في البلقان، بل عن هندسة ديمغرافية وجيوسياسية تضمن تفوقها، وتُبقي روسيا بعيدة عن المنطقة.
ثالثًا: أدوات التنفيذ
- استخدام الإعلام لتأطير الحرب كسردية إنسانية. مجازر حقيقية حصلت، لكن طريقة انتقائها وعرضها في وسائل الإعلام الغربي أظهرت طرفًا واحدًا كجلاّد وآخر كضحية دائمًا، لتبرير التدخل.
- التدخل العسكري المباشر (قصف الناتو لصربيا 1999) دون تفويض من مجلس الأمن، ما شكّل سابقة خطيرة.
- دعم الحركات الانفصالية دبلوماسيًا وتسليحيًا، خاصة في البوسنة وكوسوفو.
رابعًا: النتائج والتداعيات
- تفكك يوغوسلافيا إلى 7 كيانات ضعيفة.
- تشريد مئات الآلاف وخلق جروح عرقية لم تلتئم بعد.
- فرض نموذج “كوسوفو” كذريعة مستقبلية لأي انفصال مدعوم خارجيًا.
- تمهيد الطريق لتدخلات مماثلة في العراق وليبيا وسوريا لاحقًا.
- تطويق روسيا بقاعدة أمريكية دائمة في البلقان.
خامسًا: الخلاصة والتحليل
ما جرى في يوغوسلافيا لم يكن تدخلًا إنسانيًا لإنقاذ شعب، بل تدخلًا جيوسياسيًا لتفكيك دولة مستقلة وزرع الفوضى المنظمة. تم استخدام الشعارات الحقوقية كسلاح ناعم لتمرير أجندة صلبة. لقد علّمتنا التجربة أن “التدخل الإنساني” هو أداة، لا مبدأ، وأن حماية المدنيين قد تكون مجرد غطاء لتقسيم المجتمعات وتوسيع النفوذ الغربي.