
هل "أنا" اليوم هو "أنا" بالأمس؟
نحن لا نبقى كما نحن.
نعيش، ننسى، نتغير، نندم، نعيد اختراع أنفسنا... ثم نتساءل بصمت:
من أنا حقًا؟ وهل أنا هو نفس الشخص الذي كنت عليه منذ عام، أو عشرة أعوام، أو في الطفولة؟
في هذا التساؤل، يكمن الجذر الفلسفي العميق لفكرة الذات: هل هي جوهر ثابت؟ أم تجربة مستمرة؟
الذات المتغيرة: وهم الثبات
نميل نفسيًا للاعتقاد أننا كيان مستمر، ثابت عبر الزمن.
نقول "أنا" الآن، ونقصد بها ذاتنا في الماضي والحاضر والمستقبل.
لكن الحقيقة أعمق من ذلك:
نحن نُعيد تشكيل أنفسنا في كل لحظة، نتغير بفعل الزمن، التجربة، الذاكرة، وحتى الألم.
الهوية ليست حجرًا، بل نهر يتغير مجراه كل يوم.
الزمن والذاكرة: ما نعيشه وما نتذكره
الزمن لا يمر علينا فقط، بل يعيد تشكيلنا من الداخل.
وذاكرتنا، التي نظنها وعاءً محايدًا، هي في الحقيقة محرّر سينمائي للذات، يختار ما يحتفظ به، ويُعيد ترتيب المشاهد وفقًا لاحتياجات الأنا.
ما نعتقد أنه "تاريخنا الشخصي" ليس سردًا موضوعيًا، بل تأويلٌ متكرر لحكاية الذات.
ولذلك، فإن الأنا لا تتذكر فقط، بل تُعيد تأليف نفسها من خلال ما تتذكره.
الهوية كقصة لا تنتهي
الفيلسوف بول ريكور يرى أن الهوية الشخصية ليست "شيئًا"، بل حكاية تُروى.
نحن نعيش ذاتنا بوصفها قصة نكتبها عبر الزمن.
وهذا يعني أن "أنا" ليس مجرد وعي، بل سرد.
وكلما تغيرت الرواية، تغيرت الذات.
ماذا عن التناقض؟
قد ننكر أنفسنا القديمة، نحرج من أفعالنا السابقة، أو نراها بلا صلة بمن نحن اليوم.
لكن هذا لا يعني أننا أصبحنا "أنا" مختلفًا بالكامل، بل أننا دخلنا في مرحلة أخرى من تجربة الذات.
التناقض ليس فشلاً في الهوية، بل جزءٌ من صيرورتها.
الذات تنمو بالتناقض، وتتعلم من الرفض، وتتشكل عبر الصراع بين ما كنا وما نريد أن نكون.
الذات: كائن زمني
"أنا" ليس مجرد كيان نفسي، بل كائن زمني يعيش في الامتداد بين لحظتين:
- لحظة كان فيها شيئًا
- ولحظة يصير فيها شيئًا آخر
فلا "أنا" بلا ماضٍ، ولا "أنا" بلا توقٍ نحو المستقبل.