أنا.. رحلة في العمق: الأنا المثالي والأنا الحقيقي: صراعات الهوية النفسية

بين من نحن... ومن نرغب أن نكون

في داخل كل إنسان ذاتان تتحاوران، تتصادمان، وربما لا تلتقيان أبدًا:

  • "أنا الحقيقي": كما نشعر ونفكر ونعيش دون تصنّع
  • "أنا المثالي": كما نطمح أن نكون، أو كما نُتوقع أن نكون

وبين هاتين الصورتين تنشأ أعنف صراعات الهوية النفسية، حيث لا تكون المعركة بين الإنسان والعالم، بل بين الإنسان ونفسه.

من يصنع "أنا المثالي"؟

نحن لا نولد برؤية مثالية عن أنفسنا.
بل تتكوّن هذه الصورة عبر التربية، المدرسة، المجتمع، الدين، الإعلام، وحتى الثقافة الشعبية.
هي مجموعة من "ينبغي أن أكون..."، تتسلل إلى وعينا منذ الصغر:

  • ينبغي أن أكون ناجحًا
  • ينبغي أن أكون محبوبًا
  • ينبغي أن أكون بلا عيوب

وهكذا، يبدأ الأنا المثالي في الظهور كـ"نسخة محسّنة" من الذات، تُطارد بلا نهاية.

الأنا الحقيقي: صوت الداخل

في المقابل، هناك صوت أهدأ... أصدق... لكنه كثيرًا ما يُقمَع:
هو ما نشعر به حين نكون وحدنا
هو ما نحب، ونخاف، ونرغب، دون رقابة أو تزييف
لكن هذا الأنا الحقيقي يُدان، ويُحاصر، ويُعتبر ناقصًا لأنه لا يرقى إلى المثالية المرسومة في الخيال الجمعي.

التوتر الخفي: بين الواقع والمُتخيَّل

الصراع لا يكون ظاهرًا دائمًا.
بل يظهر في شكل قلق مزمن، لوم ذاتي، خيبة، إحساس بالفشل أو اللاجدوى، رغم تحقيق النجاحات.
فحتى إذا اقتربنا من "المثالي"، يهرب بعيدًا، ويتحوّل إلى هدف جديد، أكثر صعوبة.
وكأن الأنا المثالي سرابٌ دائم، لا يُطال ولا يُرضي.

عندما نحاول أن نكون غيرنا

أحد أخطر أشكال هذا الصراع هو التماهي الكامل مع الأنا المثالي ونبذ الأنا الحقيقي.
نبدأ في عيش أدوار ليست لنا
نضحك حين نودّ البكاء
نظهر الثقة ونحن نشعر بالهشاشة
نعيش كما "ينبغي"، لا كما "نكون"

وهكذا، يُقتل الجزء الأصدق فينا... ونصبح غرباء في ذواتنا.

نحو التصالح: المثالي كاتجاه لا كقيد

الحل ليس في رفض الطموح، بل في تفكيك صورته
أن نفهم أن "المثالي" ليس حكمًا علينا، بل اتجاهٌ نحو النمو
وأن الأنا الحقيقي ليس عيبًا، بل نقطة البداية الوحيدة الممكنة لأي تطور أصيل
كلما اقتربنا من ذواتنا الحقيقية، أصبح المثالي أداة للتحفيز، لا سوطًا للجلد.

سلسلة: أنا.. رحلة في العمق

+
أحدث أقدم

ويجيد بعد المقال


تنويه: هذا المقال (أو المحتوى) يقدم تحليلاً إعلامياً موضوعياً، ويخلو تماماً من أي تحريض أو دعوة للعنف، ويعكس رؤية نقدية متوازنة للأحداث، مع الالتزام التام بالأطر القانونية والمعايير المهنية.