
حين تتصدّع "أنا" أمام سؤال: لماذا أكون؟
هناك لحظات لا يشفع فيها النجاح، ولا تسعف فيها العلاقات، ولا يخففها المال أو الانشغال.
لحظات يتوقف فيها كل شيء، ليتكشّف سؤال عارٍ، لا يُقاوَم:
ما المعنى؟
ما جدوى كل هذا؟
من أنا، إن لم يكن لما أفعله غاية، ولا لما أعيشه مغزى؟
هذه هي أزمة الذات الوجودية — لحظة المواجهة بين الوعي والعدم، بين الوجود والسؤال.
من أين تبدأ الأزمة؟
ليست الأزمات الوجودية مرتبطة بالكارثة بالضرورة، بل أحيانًا تنشأ في منتصف الراحة:
- بعد تحقيق إنجاز طال انتظاره
- في خضم حياة "مستقرة" ظاهريًا
- في لحظة هدوء مفاجئ يزيح ضجيج الحياة
وهناك أيضًا أزمات ناتجة عن فقد، فشل، مرض، فراق...
لكن في جميع الحالات، ينبثق الشعور بأن "أنا" لم تعد واثقة من مبرر وجودها.
عندما ينهار البناء الرمزي
كل ذات تبني وجودها على رموز:
الدين، النجاح، الأسرة، القيم، الأحلام، الصورة الذاتية.
وحين يبدأ أحد هذه الأعمدة في الاهتزاز، يتصدّع البناء كله.
الذات الوجودية تتغذى على المعنى، وتذبل في حضرة العبث.
الشعور باللاجدوى: هل هو ضعف أم وعي؟
قد يُظن أن من يسأل عن المعنى شخص ضائع أو فاشل.
لكن في الحقيقة، هذا السؤال لا يطرحه إلا من تجاوز القشرة الأولى للحياة.
من رأى ما وراء العادة، وتجرأ على الوقوف أمام الفراغ.
ولذلك، فالسؤال الوجودي ليس علامة ضعف، بل علامة يقظة.
محاولات الهروب من السؤال
حين تظهر الأزمة، تبدأ النفس بمحاولات سريعة للهروب:
- الانغماس في العمل
- الاستهلاك والترف
- العلاقات السطحية
- أو حتى تبنّي أجوبة جاهزة دينية أو فلسفية دون أن تُعاش بصدق
لكن كل هذه المحاولات لا تُنهي الأزمة، بل تؤجلها... وتُعمّقها بصمت.
الطريق إلى المعنى: لا أجوبة نهائية
الفلاسفة الوجوديون، من كيركغارد إلى سارتر وكامو، رأوا أن المعنى لا يُعطى، بل يُصنع.
وأن على الإنسان أن يخترع ذاته وسط العبث، لا أن ينتظر أن يجدها.
وبالتالي، فإن الخروج من الأزمة لا يعني إيجاد "جواب"، بل البدء بعيش سؤالٍ بصدق.
سلسلة: أنا.. رحلة في العمق