
لست كما كنت... ولن أبقى كما أنا
نحن لا نحمل "أنا" واحدة.
بل نعيش ذواتًا متعددة، تتغيّر وتتحوّل كما يتغيّر الزمن من حولنا.
كل مرحلة من الحياة تفرض على الذات تحديات جديدة، وتكشف وجوهًا خفية كنا نجهلها أو نرفض الاعتراف بها.
وهكذا، لا تكون "أنا" كيانًا مغلقًا، بل رحلة مستمرة من التشكل والانفتاح والانكسار والنمو.
من "أنا الطفولة" إلى "أنا النضج"
في الطفولة، تتشكّل الذات من خلال الآخر:
نرضى عندما يُحبنا الكبار، ونخاف من العقاب، وننسج صورتنا من ردود أفعالهم.
في المراهقة، يبدأ أول تمرّد: نجرّب قول "لا"، ونرسم خطًا وهميًا بين "أنا" و"أنتم".
لكننا لا نملك هوية حقيقية بعد... فقط إرادة انفصال.
ثم تأتي مراحل متتالية من التشكل:
- "أنا الطالب"
- "أنا العاشق"
- "أنا الزوج"
- "أنا المهني"
الأنا في مواجهة الزمن
مع التقدم في العمر، يبدأ سؤال:
هل هذه "أنا" التي أردت أن أكون؟
هل خُدعت؟ هل نضجت؟ هل انطفأت؟
الزمن لا يرحم الأوهام، لكنه يُنضج العمق.
وفي مرحلة ما، يصبح الإنسان أقل انشغالًا بالصورة، وأكثر اهتمامًا بالجوهر.
تقل الضوضاء... ويعلو الصدق.
التحول لا يعني التناقض
نخجل أحيانًا من ذواتنا القديمة، ونراها ساذجة أو متناقضة.
لكن هذا الشعور لا يعني أننا فقدنا اتساقنا، بل أننا ننمّي طبقات جديدة من الفهم.
كما تنمو الشجرة، دون أن تلغي جذورها
وكما يتحول النهر، دون أن يُنكر منبعه
هل نصل يومًا إلى "أنا الأخيرة"؟
لا يوجد "أنا نهائية"، ولا نسخة كاملة من الذات.
كل مرحلة تفتح بابًا لأخرى
وكل أزمة تُعيد ترتيب البناء الداخلي
النضج الحقيقي لا يعني الثبات، بل القدرة على التغيير دون أن نفقد جوهرنا.
الختام: الأنا كسؤال لا ينتهي
في نهاية هذه السلسلة، لا نملك جوابًا نهائيًا عن سؤال "من أنا؟"
لكننا نملك الآن إدراكًا أعمق بأن هذا السؤال ليس مشكلة يجب حلّها، بل تجربة يجب عيشها.
وأن الذات ليست شيئًا نكتشفه مرة واحدة، بل شيئًا نبنيه ونكتبه ونراجعه كل يوم.
سلسلة: أنا.. رحلة في العمق