الاقتصاد السياحي: صناعة السياحة: من يقرر رغباتك قبل أن تفكر فيها؟

من يظن أن اختيارات السفر نابعة من رغبة شخصية محضة، يتجاهل آلة دعائية ضخمة تعمل بلا توقف لتشكيل ذوق الإنسان العالمي. فقبل أن تحجز تذكرتك، تكون الصورة قد رُسمت في وعيك: الشاطئ الفيروزي، الفندق الفاخر، "تجربة العمر" التي ستحسدك عليها حسابات الآخرين على إنستغرام. إنها ليست رغبتك وحدك، بل رغبة صُنعت لك.

من يرسم الخريطة السياحية للعالم؟

الوجهات التي تراها "لا بد من زيارتها" ليست نتيجة تقييم محايد للطبيعة أو الثقافة، بل نتيجة حملات تسويق دولية مدفوعة من شركات الطيران، وشبكات الفنادق، ومؤسسات إعلامية عالمية. يتم تضخيم أماكن وإغفال أخرى، ليس وفقًا لقيمتها الجمالية، بل وفقًا لمعادلة الاستثمار والعائد.

الاحتياجات المصنوعة: وهم التجربة الأصيلة

الإعلانات تصنع ما يشبه القالب الجاهز للسعادة: صور رومانسية على الشواطئ، مغامرات مدروسة بدقة، أسواق "شعبية" أعدّت خصيصًا للأجنبي. كل ذلك يوهم السائح أنه يعيش تجربة محلية "أصيلة"، بينما هو في الواقع يتنقل داخل مسرح تجاري كبير، كل زاوية فيه معدّة لاستنزاف ميزانيته.

إعادة توزيع الثروة... نحو المراكز الكبرى

تبدو السياحة في ظاهرها وسيلة لنقل الأموال من الدول الغنية إلى الفقيرة، لكن الأرقام الحقيقية تكشف العكس:

  • جزء كبير من الإنفاق يعود مباشرة لشركات الطيران العالمية.
  • الفنادق الكبرى مملوكة لمجموعات دولية تتسرب أرباحها إلى الخارج.
  • المنتجات والخدمات السياحية تعتمد غالبًا على مواد مستوردة من أسواق عالمية، ما يعيد الدورة الاقتصادية إلى الدول المُصدّرة.

السياحة كأداة جيوسياسية ناعمة

بجانب الربح، تلعب السياحة دورًا في إعادة تشكيل صورة الدول، وتكريس نمط من التبعية الثقافية والاقتصادية. الوجهات التي يزورها السائح لا تقدم فقط خدمات، بل تقدم رواية معدلة عن نفسها، تتوافق مع ما يريد المستثمرون والحكومات الممولة أن يراه العالم.

سلسلة: الاقتصاد السياحي.. الوجه المخفي للصناعة العالمية للسفر والسياحة

+
أحدث أقدم

ويجيد بعد المقال


تنويه: هذا المقال (أو المحتوى) يقدم تحليلاً إعلامياً موضوعياً، ويخلو تماماً من أي تحريض أو دعوة للعنف، ويعكس رؤية نقدية متوازنة للأحداث، مع الالتزام التام بالأطر القانونية والمعايير المهنية.