
النفط كأداة استراتيجية لا كمورد فقط
منذ أن أدركت القوى الكبرى الأهمية الاستراتيجية للنفط مطلع القرن الماضي، تغيّر شكل الجغرافيا السياسية. لم تعد السيطرة تعني الاحتلال فقط، بل امتلاك القرار النفطي. فدول الشرق الأوسط، رغم احتضانها لأكبر احتياطي نفطي عالمي، ظلت رهينة لسياسات شركات الطاقة الغربية، التي صاغت خريطة النفوذ بناءً على مصالحها لا مصالح الشعوب.
الشركات العملاقة: من التجارة إلى النفوذ السياسي
شركات مثل إكسون موبيل، شل، بي بي، وتوتال لم تكتفِ بإنتاج وتوزيع النفط، بل أصبحت مراكز نفوذ سياسي. تعمل هذه الشركات غالبًا كأذرع غير رسمية للسياسات الغربية، وتشارك في:
- توجيه السياسات الخارجية عبر الضغط على الحكومات لفتح الأسواق أو خوض تدخلات عسكرية.
- التأثير على أنظمة الحكم بدعم أنظمة متعاونة، أو تقويض أخرى تهدد مصالحها.
- اختراق الإعلام ومراكز البحث لتشكيل الرأي العام العالمي تجاه قضايا الطاقة.
النفط كدافع للحروب والانقلابات
خلف كثير من الحروب والانقلابات في القرن العشرين، تقف دوافع نفطية مغلّفة بخطابات سياسية. من انقلاب إيران عام 1953 بدعم بريطاني-أميركي بعد تأميم مصدق للنفط، إلى غزو العراق 2003 بذريعة "أسلحة الدمار الشامل"، ظل النفط في قلب المشهد.
وفي إفريقيا وأمريكا اللاتينية، تورّطت شركات نفط غربية في دعم ميليشيات أو أنظمة فاسدة لضمان استمرار ضخ النفط دون عراقيل وطنية.
آليات الضغط: العقوبات، اللوبي، الابتزاز الاقتصادي
يعتمد لوبي النفط على أدوات معقّدة لتأمين مصالحه، منها:
- العقوبات الاقتصادية المفروضة على دول تحاول التحرر من النفوذ الطاقي الغربي.
- الابتزاز السياسي عبر رفع أو خفض أسعار النفط عالميًا.
- الضغط داخل المؤسسات الدولية مثل البنك الدولي وصندوق النقد لفرض شروط تتعلق بسياسات الطاقة.
التحول الأخضر... هل هو خروج من الهيمنة أم إعادة تدوير لها؟
رغم أن الخطاب العالمي اليوم يتحدث عن "التحول إلى الطاقة النظيفة"، إلا أن معظم الاستثمارات الكبرى في هذا المجال ما زالت تحت سيطرة نفس الشركات النفطية القديمة، التي غيّرت قفازاتها فقط، دون التخلي عن جوهر سيطرتها.
فهل التحول الأخضر هو تحرر فعلي؟ أم مجرد إعادة تموضع لهيمنة قديمة بثوب جديد؟
خاتمة
لوبي النفط ليس مجرد تكتل اقتصادي، بل شبكة نفوذ ذات بعد استراتيجي، تحكمها مصالح عابرة للحدود، وتعمل كفاعل غير مرئي في صناعة القرار الدولي. وإن أراد العالم فعلًا بناء نظام عالمي عادل، فلابد من تفكيك هذه الشبكات، وكشف أدوارها الحقيقية في تعطيل إرادة الشعوب.