الجبر السياسي: القواعد العسكرية الأجنبية: حماية أم هيمنة؟

حين تُذكر كلمة "احتلال"، يتبادر إلى الذهن مشهد الدبابة، والعلم الأجنبي، والحاكم العسكري.

لكن ماذا لو ظلّت الدبابة، وغاب المشهد؟
ماذا لو بقيت القواعد الأجنبية على الأرض العربية، لكنها أصبحت تُقدَّم كشكل من "الشراكة"، أو "التعاون الأمني"، أو "التموضع الاستراتيجي"؟
هنا نكون أمام واحدة من أوضح تجليات الجبر السياسي العسكري: الهيمنة العسكرية المقنّعة التي تُمارَس من داخل حدود الدولة، لا من خارجها.

من قاعدة صديقة.. إلى مفصل سيادي

تنتشر اليوم عشرات القواعد العسكرية الأجنبية في العالم العربي، ومنها:

  • قاعدة العديد الأمريكية في قطر: الأضخم في المنطقة.
  • قواعد فرنسية في النيجر وتونس والسنغال والجزائر سابقًا.
  • قواعد أمريكية في الخليج (الكويت، البحرين، الإمارات، سلطنة عمان).
  • قواعد عسكرية تركية في العراق وسوريا وقطر.
  • تموضع إسرائيلي عسكري تقني في شمال إفريقيا ومحيط البحر الأحمر.

هذه القواعد لا تقف فقط لحماية مصالح الدول الغربية، بل تُستخدم غالبًا في:

  • شنّ عمليات عسكرية في دول الجوار.
  • التجسس والمراقبة على دول المنطقة.
  • التأثير على القرار السيادي للدولة المستضيفة.

مَن يُؤمّن مَن؟ سؤال يجب أن يُطرح

يُقال لنا دائمًا إن هذه القواعد موجودة "لحمايتنا"، لكن:

  • لماذا لا تُغلق بعد انتهاء الحروب؟
  • لماذا يُمنع الإعلام من تغطية نشاطها؟
  • لماذا تُحصّن من القانون المحلي؟
  • ولماذا لا نعرف ميزانية استضافتها؟

الواقع أن هذه القواعد لا تُؤمّن الدولة، بل تؤمّن مصالح من أقامها.
والدولة التي تستضيفها تصبح رهينة "الشريك العسكري"، لا حليفة له.

اتفاقيات دفاع أم عقود تبعية؟

غالبًا ما تُوقّع اتفاقيات القواعد العسكرية بشكل سري، أو تُمرّر في برلمانات صورية.
وفي كثير من الحالات، لا تملك الدولة المستضيفة الحق في:

  • تفتيش الأسلحة المخزّنة داخل القاعدة.
  • تحديد سقف عدد القوات الأجنبية.
  • مراجعة أهداف العمليات المنطلقة منها.

بمعنى أوضح: القاعدة هي قطعة من السيادة المسلوبة، يُمنح فيها الأجنبي قدرة الفعل دون رقابة.

من الاستعمار المباشر إلى التموضع المرن

إذا كانت القواعد العسكرية البريطانية والفرنسية في القرن العشرين تُواجه بمقاومة، فإن القواعد الجديدة تُجمَّل لغويًا:

  • "مراكز تنسيق مشترك"
  • "قيادات إسناد لوجستي"
  • "قواعد مؤقتة"
  • "تحالف ضد الإرهاب"

لكن الحقيقة أن هذه التسميات تخفي نفس الدور القديم:
إبقاء الدولة المستضيفة تحت السيطرة العسكرية الناعمة، وتقليص قدرتها على اتخاذ قرار مستقل.

الأثر العميق: السيادة الممنوعة

الدولة التي تستضيف قاعدة عسكرية أجنبية:

  • لا يمكنها اتخاذ موقف مناهض للقوة المالكة للقاعدة.
  • تصبح جزءًا من شبكة استخباراتية دولية لا تتحكم فيها.
  • تُفقد ثقة الشعوب المجاورة، وتُصنَّف سياسيًا لا كفاعل مستقل، بل كأداة في معسكر دولي.

بل إن وجود قاعدة عسكرية غالبًا ما يُستخدم كورقة ضغط سياسي دائمة:
"احذروا، لدينا وجود على أرضكم."

خاتمة:

القاعدة العسكرية ليست جنديًا في ثكنة، بل قرارًا فوقيًا مستمرًا.
هي ذراع للدولة الأجنبية داخل جسد الدولة المضيفة، وأداة ضغط لا تتوقف عن العمل.
وكلما ازداد عدد هذه القواعد، كلما تآكل مفهوم السيادة حتى صار ظلالًا بلا مضمون.

سلسلة: الجبر السياسي.. كيف يُدار العالم العربي

+
أحدث أقدم

ويجيد بعد المقال


تنويه: هذا المقال (أو المحتوى) يقدم تحليلاً إعلامياً موضوعياً، ويخلو تماماً من أي تحريض أو دعوة للعنف، ويعكس رؤية نقدية متوازنة للأحداث، مع الالتزام التام بالأطر القانونية والمعايير المهنية.

✉️ 📊 📄 📁 💡