الجبر السياسي: الخصخصة: حين تُباع الدولة في مزاد الإصلاح


تُروّج الخصخصة اليوم كخطوة ضرورية لتحديث الدولة وتحفيز الاقتصاد.

لكن في واقع الحال، الخصخصة ليست مجرد سياسة اقتصادية، بل أداة جبر سياسي عميقة تُستخدم لتفكيك الدولة الوطنية، وتقليص سيادتها، وإخضاع مواردها لمصالح أجنبية.
حين تُباع القطاعات الاستراتيجية، تتحول الدولة من كيان يقرر لمصلحة شعبه إلى عميل يُنفذ أجندة اقتصادية خارجية.

الخصخصة: بين الإصلاح والبيع الممنهج

في برامج "الإصلاح" التي تفرضها مؤسسات التمويل الدولية، تصبح الخصخصة شرطًا أساسيًا للتمويل.
يُعاد تنظيم القطاعات العامة، من مياه وكهرباء ونقل وصحة وتعليم، على مبدأ:

  • تخفيض الإنفاق الحكومي،
  • رفع كفاءة الأداء،
  • جذب المستثمرين،
  • تحرير السوق.

لكن هذه الشعارات تخفي وجهًا آخر:

  • تفقد الدولة قدرة التحكم في بنى تحتية حيوية،
  • تُفقد شعوبها حق الوصول إلى خدمات أساسية بأسعار معقولة،
  • تُنتزع القطاعات من يد الجمهور إلى يد شركات خاصة غالبًا ما تكون أجنبية.

الخصخصة كجهاز جبر اقتصادي

لا تقتصر آثار الخصخصة على الاقتصاد، بل تتجاوز ذلك إلى السياسة والمجتمع:

  • تقويض أدوار الدولة في ضمان العدالة الاجتماعية،
  • تفكيك مفاهيم السيادة الوطنية على الموارد،
  • خلق طبقات اجتماعية جديدة تعتمد على القطاع الخاص،
  • تعميق التبعية عبر العقود والشركات متعددة الجنسيات.

وهنا يكمن الجبر السياسي: أن تُجبر الدولة على التنازل عن قرارها الاقتصادي الأساسي، لصالح نموذج تسويقي لا يخدم الوطن، بل الربح العالمي.

أمثلة عربية: من أين تبدأ مأساة الخصخصة؟

  • في مصر، بيع قطاع الاتصالات وشركات الكهرباء للقطاع الخاص أضعف من قدرة الدولة على التحكم بالتقنيات الحيوية.
  • في تونس، تم خصخصة شركات المياه والنقل العام تحت ضغط القروض، مما أدى إلى احتجاجات شعبية متكررة.
  • في الأردن، خصخصة قطاع الطاقة أرهقت المستهلكين، وزادت فاتورة الكهرباء.
  • في لبنان، تم تأجيل خصخصة المرافق، لكن الأزمة المالية أظهرت هشاشة القطاع العام وتبعيته للديون.

الخصخصة: هل من بديل؟

البديل الحقيقي لا يكون فقط في رفض الخصخصة، بل في بناء نموذج اقتصادي وطني متكامل:

  • استثمار في البنية التحتية العامة،
  • تطوير قطاع خاص وطني قادر على المنافسة،
  • تعزيز دور الدولة في الاقتصاد بما يضمن العدالة الاجتماعية،
  • بناء استقلال مالي بعيدًا عن شروط القروض المشروطة.

خاتمة:

الخصخصة ليست إصلاحًا، بل استسلامًا جزئيًا للساحة الوطنية.
حين تُباع الدولة، لا يعود القرار الاقتصادي بيد شعبها، بل بيد مستثمرين لا يربطهم بالوطن إلا الربح.
وهذا هو جوهر الجبر السياسي الاقتصادي: تقييد إرادة الدولة عبر تفكيك مواردها.

سلسلة: الجبر السياسي.. كيف يُدار العالم العربي

+
أحدث أقدم

ويجيد بعد المقال


تنويه: هذا المقال (أو المحتوى) يقدم تحليلاً إعلامياً موضوعياً، ويخلو تماماً من أي تحريض أو دعوة للعنف، ويعكس رؤية نقدية متوازنة للأحداث، مع الالتزام التام بالأطر القانونية والمعايير المهنية.