تتكرر في المشهد السياسي العربي ظاهرة متناقضة: سقوط مشاريع ديمقراطية تبدو واعدة، واستمرار أو حتى دعم للأنظمة الاستبدادية.
هل هو عجز داخلي فقط؟ أم أن هناك آليات خارجية تفرض هذا المسار؟
في هذه الحلقة، نغوص في تفكيك هذه الظاهرة التي تعكس أحد أهم أوجه الجبر السياسي في المنطقة.
الديمقراطية في العالم العربي: حلم معقّد
لدى المجتمعات العربية تاريخ طويل من المطالب بالحرية والكرامة والمشاركة السياسية.
لكن رغم ذلك، تعثرت معظم التجارب الديمقراطية الحديثة، وأحيانًا انتهت بانقلابات أو حروب أهلية.
فهل السبب فقط ضعف المؤسسات؟ أم أن ثمة عوامل خارجية تُعقّد المشهد؟
التوازن الدولي: متى تدعم الديمقراطية ومتى لا؟
اللافت أن الغرب – الراعي التاريخي لمفهوم الديمقراطية – لا يتعامل مع الموضوع بنظرية ثابتة، بل وفق ما يخدم مصالحه:
- يُدعم نظامًا ديمقراطيًا إذا كان يخدم مصالح القوى الغربية.
- يُسقط نظامًا ديمقراطيًا إذا كان يهدد تلك المصالح أو يتحالف مع منافسين.
- يدعم أنظمة استبدادية عندما تضمن الاستقرار وحماية النفوذ.
هذا الانتقائية تكشف أن الديمقراطية ليست هدفًا بحد ذاتها، بل أداة في لعبة النفوذ.
أدوات الدعم والتدمير
التمويل، الإعلام، مراكز الفكر، والضغط الدبلوماسي، تُستخدم لتشكيل أو تحطيم التجارب الديمقراطية:
- دعم سياسي ومالي لحركات معارضة معينة أو أحزاب.
- حملة إعلامية دولية لتشويه الخصوم أو تصنيفهم إرهابيين.
- دعم الأجهزة الأمنية القمعية للنظم المستبدة لتثبيت السيطرة.
- إطالة أمد الأزمات الاقتصادية والسياسية لإضعاف الحركات الشعبية.
الديكتاتوريات: الحليف الاستراتيجي
غالبًا ما تجد الدول الغربية في الأنظمة الاستبدادية شركاء يضمنون:
- استقرارًا نسبيًا في مناطق النفوذ.
- تعاونًا أمنيًا ضد خصومهم الإقليميين أو العالميين.
- تهيئة بيئة مناسبة للشركات الأجنبية للاستثمار.
- إمكانيات السيطرة على الموارد الطبيعية.
ماذا يعني هذا للجبر السياسي؟
الجبر السياسي هنا يتم عبر فرض نماذج سياسية محددة، وتخريب أخرى، بحسب المصلحة الخارجية، بغض النظر عن إرادة الشعوب.
وهذا يعيد إنتاج دائرة الاستبداد والتبعية التي تكبح فرص الحرية الحقيقية.
خاتمة:
لا يمكن فهم سقوط الديمقراطيات العربية دون قراءة المشهد الدولي ونمط الهيمنة الخارجية.
الديمقراطية في هذه الحالة ليست سوى واجهة يُدار خلفها الجبر السياسي بمقاييس عالمية تفرضها مراكز النفوذ.