حروبنا وسيناريوهاتهم: سوريا.. من الثورة إلى الفوضى المُبرمجة

بداية مأساة أم مخطط مدبر؟

لم تكن الأزمة السورية عام 2011 انفجارًا عفويًا نابعًا من غضب شعبي محض، بل جاءت في ظل بيئة إقليمية ودولية مشحونة، حيث استُثمر الحراك الشعبي لتحويله إلى صراع متعدد الأوجه، يُخدم فيه سيناريوهات مصالح دولية وإقليمية تتصارع على السيطرة والنفوذ. سوريا تحولت إلى مسرح يعكس كيف تُحوَّر الثورات الشعبية إلى فوضى مبرمجة.

خلفيات الصراع الحقيقية

قبل 2011، كانت سوريا تعيش توترات اجتماعية وسياسية، لكن ما انفجر لاحقًا لم يكن مجرد رد فعل شعبي على نظام الأسد، بل نتيجة تراكم عوامل داخلية وخارجية، مع تدخلات خارجية أضافت طبقات جديدة من التعقيد، مستغلة حالة الانقسامات الطائفية والعرقية، وتحويل الحراك المدني إلى صراع مسلح متعدد الأطراف.

من يكتب السيناريو؟

المشهد السوري صُنع بتنسيق بين قوى كبرى: الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون، روسيا، إيران، وتركيا، بالإضافة إلى قوى إقليمية مثل السعودية وقطر. كل طرف من هؤلاء رسم خطوطًا حمراء وأهدافًا خاصة، وشكّل مجموعات مسلحة وميليشيات لخدمة أجنداته، في حين بقيت سلطة النظام في موقع مقاوم ومحاول للحفاظ على نفوذها، مما أدار الصراع إلى دوامة عنف لا تنتهي.

أدوات التحكم: المال والسلاح والإعلام

جاء التمويل العسكري من مصادر متباينة، بعضها معلن وبعضه سري، مع وصول أسلحة حديثة إلى الفصائل المختلفة، وهو ما أدخل سوريا في مستنقع الصراع المسلح متعدد الجهات. الإعلام العالمي أيضاً لعب دورًا محوريًا في صناعة صورة الصراع: بين "ثورة شعبية" و"إرهاب"، لتشكيل وعي دولي يميل في أحيان كثيرة إلى تبرير التدخلات أو تأييد أحد الأطراف.

المسرح المحلي: الأطراف والفصائل

انقسمت سوريا إلى عدة جبهات: النظام وحلفاؤه، الفصائل المسلحة المعتدلة، الجماعات المتطرفة، والقوات الكردية، وكلٌ له دعم خارجي. هذا التشظي عمّق الأزمة، وأدخل البلاد في حرب أهلية مدمرة، مستغلين الانقسامات الداخلية لاستنزاف الموارد والسيطرة على الأرض.

النتائج والمستفيدون

مئات الآلاف من القتلى، الملايين من اللاجئين والنازحين، تدمير هائل للبنية التحتية، وانهيار الاقتصاد السوري، كانت نتائج مأساوية. في المقابل، ربح بعض اللاعبين الخارجيين مواقع نفوذ جديدة، وحافظ النظام على بقاياه بدعم روسي وإيراني، بينما بقيت سوريا دولة منكوبة وملف مفتوح للصراعات الدولية.

تحوير المسار: كيف فُقدت الثورة؟

تم تحوير الحراك المدني الأولي وتحويله إلى صراع مسلح متعدد الأطراف، حيث تفاقمت أدوار الجماعات المسلحة، ودخلت أجندات إقليمية وعالمية تغير من طبيعة الصراع، مما أدى إلى فقدان السيطرة الشعبية على مسار الثورة، وتحولها إلى حرب استنزاف بلا نهاية.

خاتمة: هل كانت هذه حربنا؟

سوريا مثال حي على كيفية إدارة الصراع من الخارج، وكيف يمكن تحويل ثورات الشعوب إلى فوضى مبرمجة تفرضها موازين القوى العالمية والإقليمية. لا يمكن فهم مأساة سوريا بمعزل عن هذه الحقيقة، ويجب أن نعيد التفكير في أدوارنا، ونسعى لفهم من يدير هذه الحروب حقًا، بدلاً من أن نكون مجرد أدوار في مسرحهم.

سلسلة: حروبنا وسيناريوهاتهم

+
أحدث أقدم

ويجيد بعد المقال


تنويه: هذا المقال (أو المحتوى) يقدم تحليلاً إعلامياً موضوعياً، ويخلو تماماً من أي تحريض أو دعوة للعنف، ويعكس رؤية نقدية متوازنة للأحداث، مع الالتزام التام بالأطر القانونية والمعايير المهنية.