اسرائيل: التضخيم الإعلامي للخلاف بين نتنياهو والجيش

التضخيم الإعلامي للخلاف بين نتنياهو والجيش، رغم أنهم في الجوهر متفقون على الهدف، يخدم أغراض سياسية وإعلامية محددة:

1. صناعة وهم التوازن الداخلي
الإعلام الغربي يحب أن يقدّم صورة أن داخل إسرائيل يوجد أصوات “عقلانية” تكبح المتطرفين. إظهار الجيش في موقف معارض لنتنياهو يوحي بأن هناك فرامل داخلية، حتى لو كانت الخلافات على الأسلوب فقط، لا على المبدأ.

2. تخفيف الضغط الدولي
حين تروّج إسرائيل أن هناك انقسامًا بين السياسيين والعسكر، فهي تعطي للمجتمع الدولي مبررًا للتريّث، على أمل أن “الطرف المعتدل” ينتصر، ما يؤجل أي عقوبات أو قرارات حاسمة ضدها.

3. حماية صورة الجيش
المؤسسة العسكرية الإسرائيلية تحرص على عدم الظهور كجهة متعطشة للتدمير، بل كقوة “منضبطة” تتحرك بحسابات استراتيجية، حتى لو كانت عملياتها على الأرض لا تختلف عن أوامر القيادة السياسية.

4. توزيع الأدوار في المسرح السياسي
السياسي يطلق خطابًا متطرفًا لكسب جمهوره، بينما الجيش يظهر كالعقلاني الحذر، فيبدو المشهد وكأن هناك ديناميكية نقاش ديمقراطي، بينما النتيجة النهائية تصب في المسار نفسه: السيطرة الكاملة على غزة.

5. جذب الانتباه وتشتيت النقاش
الإعلام يضخم الخلافات الشكلية لأنها مادة درامية، فينشغل الجمهور بتفاصيل “من قال ماذا”، بدلًا من جوهر السياسة التي يتفق عليها الطرفان.

هذا الأسلوب يشبه ما فعلته الولايات المتحدة في حرب العراق 2003، حين كان هناك تضخيم لخلافات “البنتاغون” و“البيت الأبيض” حول تكتيكات الغزو، بينما الهدف الاستراتيجي — إسقاط النظام والسيطرة على العراق — كان محل إجماع كامل.


التحليل النقدي

الخلافات التي تُصنع لتجميل الاتفاق

في المشهد السياسي الإسرائيلي الحالي، يظهر الإعلام خلافًا محتدمًا بين نتنياهو والجيش حول “خطة احتلال غزة”، وكأننا أمام صراع بين تيار متشدد وتيار عقلاني. لكن جوهر الموقف واحد: الطرفان يريدان السيطرة الكاملة على غزة، وما يُختلف عليه هو الإيقاع وأسلوب التنفيذ، لا المبدأ ولا الهدف.

هذا النمط من الخلافات المصنوعة يخدم غرضين أساسيين:

  • خارجيًا: يقدّم صورة “تعدد الأصوات” ليُطمئن الرأي العام العالمي أن داخل إسرائيل قوى معتدلة تحاول التهدئة، ما يمنح الدول الغربية ذريعة لتأجيل الضغط أو العقوبات.

  • داخليًا: يوزّع الأدوار في المسرح السياسي؛ السياسي يرفع سقف الخطاب لكسب التأييد الشعبي، والعسكري يظهر بمظهر الحذر لضبط صورة الجيش أمام المجتمع الإسرائيلي والعالم.

تاريخيًا، هذه التقنية ليست جديدة. في حرب فيتنام، روّجت واشنطن لوجود خلافات كبرى بين البيت الأبيض والبنتاغون، لكن كليهما كان متمسكًا باستمرار الحرب حتى تحقيق “الأهداف الأمريكية”؛ الخلافات كانت على حجم القوات والجدول الزمني، بينما الاستراتيجية الكبرى لم تمسّ.

هكذا تُستخدم “الاختلافات التكتيكية” كديكور ديمقراطي يخفي اتفاقًا استراتيجيًا راسخًا، فتتبدل الأدوار أمام الكاميرات بينما تسير الخطة الحقيقية بلا انقطاع.

+
أحدث أقدم

ويجيد بعد المقال


تنويه: هذا المقال (أو المحتوى) يقدم تحليلاً إعلامياً موضوعياً، ويخلو تماماً من أي تحريض أو دعوة للعنف، ويعكس رؤية نقدية متوازنة للأحداث، مع الالتزام التام بالأطر القانونية والمعايير المهنية.