المناورات العسكرية بين الدول والتضخيم الإعلامي: استعراض سياسي يتجاوز التدريب العسكري

تغدو المناورات العسكرية بين الدول، في الغالب، ساحة لاختبار القدرة القتالية والتنسيق التكتيكي، لكن الحقيقة الأعمق أن هذا الجانب التدريبي هو فقط الغطاء الظاهر، فيما تغوص المناورات في أبعاد سياسية تتجاوز العسكرية، لتصبح استعراضًا مُتقنًا للقوة ووسيلة ضغط إعلامي واستراتيجي في آن واحد. فالتضخيم الإعلامي المصاحب لهذه المناورات ليس مجرد تغطية لنشاط عسكري، بل أداة من أدوات السياسة الخارجية والحرب النفسية، تهدف إلى صياغة خطاب تهيمن عليه الرسائل السياسية أكثر من التدريبات الواقعية.

المناورات: بين التدريب واستعراض العضلات

ينصب الهدف المعلن لهذه المناورات على تطوير الجاهزية القتالية، رفع مستوى التنسيق بين الوحدات، وتجريب تقنيات عسكرية حديثة. لكن الواقع يكشف أن هذه الفعاليات عادة ما تختار توقيتات سياسية حساسة، وتستقطب تغطية إعلامية مكثفة تركز على حجم القوات المشاركة، قوة الأسلحة، ونطاق العمليات، بغرض توجيه رسالة واضحة إلى خصوم محتملين أو إلى الداخل السياسي للدولة نفسها.

هذه الرسائل تتجاوز حدود التكتيك، لتصبح تصريحات سياسية غير مباشرة، توظف لإعادة رسم موازين القوة في منطقة معينة، أو للتأثير على مجريات مفاوضات دولية أو صراعات إقليمية، وبخاصة في المناطق المتوترة جيوسياسيًا.

التضخيم الإعلامي: صناعة الوعي الزائف

تلعب وسائل الإعلام، الرسمية وغير الرسمية، دورًا جوهريًا في تحويل المناورات من نشاط تدريبي إلى حدث سياسي ذو أبعاد نفسية. يُستخدم التضخيم الإعلامي، الذي يصل أحيانًا إلى المبالغة أو التصوير المهيب، لتضخيم حجم الخطر أو القوة، ولإثارة حالة من الرهبة أو الدعم الشعبي.

هذا التضخيم لا يخلو من أهداف خفية، منها خلق تغطية إعلامية تساعد على تشتيت الانتباه عن أزمات داخلية أو إخفاقات اقتصادية، أو تبرير إنفاقات عسكرية ضخمة تحت شعار "الاستعداد والتأهب".

استعراض القوة: أكثر من مجرد أذرع عسكرية

عندما تتحول المناورات إلى مسرح سياسي، فإنها لا تعكس فقط قدرات الجيش، بل تعبر عن استراتيجية الدولة في إدارة أزمات داخلية وخارجية. فهي أدوات دبلوماسية تلعب دورًا في التفاوض، التهديد غير المباشر، وإظهار الاستقلالية أو التبعية، بحسب ما تتطلبه المصالح السياسية.

من هذا المنطلق، فإن قراءة المناورات العسكرية لا يمكن أن تقتصر على البعد الفني أو العسكري فقط، بل يجب تفكيك الخطاب الإعلامي والسياسي المصاحب لها لفهم الرسائل الحقيقية وراء هذا الاستعراض الذي يخدم أجندات القوة أكثر من أجندات الدفاع أو التدريب.

+
أحدث أقدم

ويجيد بعد المقال


تنويه: هذا المقال (أو المحتوى) يقدم تحليلاً إعلامياً موضوعياً، ويخلو تماماً من أي تحريض أو دعوة للعنف، ويعكس رؤية نقدية متوازنة للأحداث، مع الالتزام التام بالأطر القانونية والمعايير المهنية.