السعودية ومصر: تصعيد وظيفي أم خلاف حقيقي؟

قراءة نقدية في “مسرحية” التوترات السياسية الإقليمية

في ظل التصعيد الأخير بين السعودية ومصر، يطرح السؤال نفسه: هل هذا التوتر حقيقي؟ أم هو مجرد مسرحية سياسية داخل لعبة نفوذ إقليمية أكبر؟ هذا المقال يحاول تفكيك هذه الظاهرة من خلال النظر في الأبعاد الحقيقية والمصطنعة لهذا الخلاف، وكشف آليات صناعة الصراعات الوظيفية ضمن منظومة السيطرة الإقليمية.

1. السياق الإقليمي: تحالفات وتحولات استراتيجة

تعتبر السعودية ومصر من أهم الأعمدة في التحالف الإقليمي الذي يديره محور تقوده الولايات المتحدة والدول الغربية، ويهدف إلى السيطرة على الشرق الأوسط. في هذا الإطار، تُدار العلاقات بين الدول الكبرى في المنطقة بشكل مركزي ومخطط له، مما يجعل من الصعب اعتبار أي تصعيد بينهما عميقًا أو حقيقيًا، بل هو جزء من توازن دقيق يتم إدارته لإعادة ترتيب الأوراق أو إعادة التفاوض على الأدوار.

2. الدول الوظيفية: إطار تحليل لفهم الصراعات

وصف السعودية ومصر بـ"الدول الوظيفية" يعني أن دورهما محصور في خدمة أجندات محددة في السياسة الإقليمية، دون أن يمتلكا استقلالية كاملة. هذا يفسر كيف تُستخدم التوترات الظاهرة كأدوات ضغط أو أوراق سياسية تُحرك في الوقت المناسب. مثل هذه الصراعات تساعد على:

  • ابتزاز سياسي داخلي أو خارجي
  • إشغال الرأي العام عن أزمات داخلية
  • خلق ذريعة لإعادة هيكلة التحالفات أو توزيع النفوذ

3. أدوات “المسرحية السياسية”: التضليل الإعلامي واستغلال الإعلام

الظهور العلني للتوترات بين السعودية ومصر يُستخدم أيضًا كأداة إعلامية لصناعة رأي عام يُبرر سياسات أو مواقف معينة. الإعلام، الذي غالبًا ما يخضع لضوابط وتقنيات التضليل، يعمل على تضخيم الخلافات الصغيرة وتحويلها إلى أزمات كبرى، في وقت تُدار فيه هذه الخلافات بشكل داخلي بعيدًا عن الأضواء.

4. تكرار النمط: دراما الصراعات بين الحلفاء

التاريخ السياسي للمنطقة مليء بصراعات معلنة بين حلفاء استراتيجيين سرعان ما تُحل أو تُخفَّف، مثل التوترات السابقة بين مصر والإمارات، أو السعودية وقطر، وغيرها. هذا النمط يشير إلى أن هذه الخلافات هي جزء من “دراما” سياسية تهدف إلى تحريك المشهد السياسي دون المساس بأسس التحالف.

5. مصالح متداخلة وأبعاد حقيقية ضمن التمثيل السياسي

مع ذلك، لا يمكن إنكار أن هناك مصالح وطنية حقيقية قد تولد بعض التوترات. النفوذ في شرق أفريقيا، ملف سد النهضة، التنافس الاقتصادي، وغيرها من القضايا، تُحدث ضغوطًا طبيعية. لكن هذه الخلافات تُدار داخل إطار أكبر من التنسيق المشترك، وفي أحيان كثيرة يتم “تمثيلها” إعلاميًا بشكل مبالغ فيه.

الخلاصة: مسرحية سياسية داخل نظام إقليمي معقد

التوتر السعودي-المصري الحالي ليس تصعيدًا عميقًا أو بداية أزمة جديدة، بل هو تجسيد لآليات “التصعيد الوظيفي” داخل منظومة تحكم إقليمية أكبر، حيث تُدار الخلافات بشكل يسمح بالتفاوض وإعادة التموضع دون المساس بالتحالفات الاستراتيجية. هذا التصعيد:

  • يخدم إعادة توزيع الأدوار والنفوذ في المنطقة
  • يُستخدم كأداة ضغط داخلية وخارجية
  • يعزز شرعية الأنظمة أمام شعوبها ويشغل الرأي العام عن قضايا أعمق

فهم هذا الإطار يُمكّننا من تفكيك الخطابات الرسمية والإعلامية التي تحاول تقديم هذه الخلافات على أنها أزمات حقيقية، بينما هي في الواقع أدوات في لعبة استراتيجية أكبر تُدار خلف الكواليس.

+
أحدث أقدم

ويجيد بعد المقال


تنويه: هذا المقال (أو المحتوى) يقدم تحليلاً إعلامياً موضوعياً، ويخلو تماماً من أي تحريض أو دعوة للعنف، ويعكس رؤية نقدية متوازنة للأحداث، مع الالتزام التام بالأطر القانونية والمعايير المهنية.