
خلفيات الأزمة: الهجرة كقضية سياسية واجتماعية محورية
ظاهرة الهجرة، خصوصًا اللاجئين وطالبي اللجوء، أصبحت في السنوات الأخيرة مادة متفجرة على الساحة البريطانية. أسباب الاحتقان ليست فقط متعلقة بالوضع الأمني أو الاقتصادي، وإنما ترتبط بجذور سياسية وثقافية أعمق. بريطانيا، بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي، تعيد صياغة هويتها الوطنية وسياساتها، في ظل ضغوط داخلية وخارجية. استضافة اللاجئين تثير توترات بين الرغبة في الحفاظ على صورة إنسانية والتزام دولي، وبين المخاوف الشعبية من “الغزو” أو الضغط على الخدمات الاجتماعية.
أبعاد التضخيم الإعلامي والسياسي
الحادثة التي أشعلت الاحتجاجات—حادثة اعتداء مزعومة—تم استغلالها من قبل أطراف سياسية وإعلامية لتعزيز خطاب معادٍ للهجرة، يستند إلى سرديات تبسيطية تخدم أجندات انتخابية وقومية. هذه السرديات تكرس صورة اللاجئ كخطر أمني واجتماعي، مع تجاهل ممنهج للعوامل الحقيقية التي تدفع الأفراد إلى اللجوء، وللمسؤوليات الدولية تجاه اللاجئين. تتداخل هنا آليات التضليل الإعلامي مع المناورات السياسية، مما يوسع الهوة بين اللاجئين والمجتمع المحلي، ويعمق الأزمة.
الاحتجاجات كمرآة لانقسامات المجتمع البريطاني
مظاهر العنف في الاحتجاجات ليست ظاهرة جديدة، لكنها تعكس انقسامات عميقة داخل المجتمع البريطاني حول الهجرة والهوية. من جهة، هناك فئات تشعر بأن السياسات الرسمية لا تعبر عن مخاوفها الأمنية والاجتماعية، ومن جهة أخرى، توجد تيارات مدافعة عن حقوق اللاجئين ومناهضة الخطاب الشعبوي. هذه الانقسامات تستدعي قراءة نقدية لسياسات الهجرة وللمخططات الحكومية التي تستخدم اللاجئين أحيانًا ككبش فداء في معارك سياسية داخلية.
الخاتمة: مأزق إنساني وسياسي يحتاج لتجاوز الخطابات الشعبوية
احتجاجات يوليو 2025 هي مؤشر واضح على أزمة أعمق في العلاقة بين الدولة والمجتمع، وبين الوطنية والتعددية الثقافية، وبين الالتزام الدولي والضغط المحلي. الحل لا يكمن في زيادة القمع أو التضييق على اللاجئين، ولا في خطابات الكراهية والتخويف. المطلوب هو إعادة النظر الجذرية في السياسات، وتعزيز الحوار المجتمعي المبني على فهم إنساني واقعي، بعيدًا عن الخطابات الشعبوية والتضليل الإعلامي الذي يحرف الحقائق ويعمق الانقسامات.