أوروبا… التاريخ يعيد نفسه، لكن بوجه ناعم

تقول أوروبا اليوم إنها “لن تمد إسرائيل بالسلاح” وكأنها اكتشفت فجأة أن القصف يقتل، والحصار يجوع، والمجازر لا تُجمَّل في نشرات الأخبار. لكن من يعرف سجل هذه القارة يدرك أن المواقف الأوروبية لا تولد من رحم المبادئ، بل من رحم الحسابات، وأن ساعة الضمير عندها لا تدق إلا عندما تتطابق مع ساعة المصلحة.
من الاستعمار إلى غزة… نفس النص، ممثلون جدد
في القرن الماضي، كانت أوروبا تبرر استعمارها للشعوب بعبارات التمدين والتحرير، بينما تنهب الموارد وتبني المقابر. اليوم، تغيرت اللغة، لكن الجوهر واحد: دعم آلة الحرب طالما تحمي النفوذ، ثم التظاهر بالصدمة حين يفيض الدم عن حدود النشرة المسائية.
غزة ليست استثناءً، بل فصلًا جديدًا في كتاب طويل عنوانه: “نمد السلاح… ثم نرفع شعار حقوق الإنسان”.
القرار المتأخر… بطولة بلا معركة
هذه القرارات تأتي دائمًا بعد أن تُنفّذ المهمات، وتُسلّم الشحنات، وتُحتسب الأرباح. كمن يبيع الحبل، ينتظر حتى يُستخدم، ثم يصرخ: “هذا الحبل خطر! يجب منعه فورًا!”. إنها بطولة بلا معركة، وإدانة بعد التواطؤ، وانسحاب بعد توزيع الغنائم.
الشارع هو الخطر الحقيقي
الذي أقلق العواصم الأوروبية ليس المجاعة في غزة، بل مشهد طلاب الجامعات وهم يحاصرون مباني الحكومة، ونقابات العمال التي تلوّح بالإضراب، وصوت جيل جديد يرى في دعم إسرائيل عبئًا سياسيًا أخطر من مواجهة موسكو أو بكين. هذا ليس “انتصار الضمير”، بل انتصار استطلاعات الرأي.
توزيع الأدوار بين الحلفاء
أوروبا تعرف أن واشنطن ستواصل الإمداد العسكري، لذلك تسمح لنفسها برفع شعار الأخلاق وهي مطمئنة أن التحالف العسكري لن يتأثر. بهذه الطريقة، تربح صورتها أمام العالم العربي، وتحجز مكانها على طاولة أي مفاوضات مستقبلية، وتظل يدها نظيفة… على الورق فقط.
الخلاصة:
الإنسانية الأوروبية ليست مبدأ ثابتًا، بل عملة سياسية تُصرف فقط عندما تتساوى كلفة التواطؤ مع كلفة الانسحاب. والتاريخ يقول لنا إن هذه القارة تجيد فن الاعتذار بعد أن ينتهي كل شيء… وأن الضمير عندها دائمًا في مرحلة الشحن.