البنوك الإسلامية: بديل شرعي أم قشرة تجميل للنظام الربوي؟

هل "المعاملات الإسلامية" في البنوك مجرد قشرة تجميلية للمنظومة الربوية العالمية، أم هي بديل حقيقي منضبط بالشريعة؟


البنوك الإسلامية: بين الجوهر والطلاء الشرعي

في العقود الأخيرة، نشأت ما يُسمّى "المصارف الإسلامية" لتقدّم نفسها كبديل شرعي للبنوك التقليدية. رفعت شعارات "لا ربا" و"تمويل حلال"، وسوّقت منتجاتها تحت مسميات شرعية مأخوذة من الفقه مثل المرابحة والمضاربة والإجارة. لكن السؤال العميق: هل هذه مجرد إعادة تغليف لآليات رأسمالية قائمة، أم هي تطبيق فعلي لروح النظام الاقتصادي الإسلامي؟

1. جوهر النظام البنكي المعاصر

النظام المالي العالمي قائم على الفائدة (الربا) كعمود فقري، وهو ما حرّمه الإسلام نصًا. كل بنية البنوك المركزية، والائتمان، والتسعير، بل حتى قيمة النقود اليوم، تستند إلى نظام ربوي محض. دخول أي "بنك إسلامي" إلى هذه المنظومة يعني أنه محكوم بقواعدها العالمية، مهما حاول التجميل.

2. المرابحة: شراء بالأجل أم فائدة مقنّعة؟

أشهر منتج للبنوك الإسلامية هو "المرابحة للآمر بالشراء": البنك يشتري سلعة، ثم يبيعها للعميل بسعر أعلى مقسط. في الظاهر، لا ربا هنا. لكن في التطبيق العملي:

  • البنك لا يتحمل مخاطر حقيقية، بل يضمن هامش ربح ثابت.

  • العملية برمتها تشبه القرض بفائدة، لكن مغطاة بعقد بيع صوري.

  • النتيجة: فائدة مغلّفة بفتوى.

3. المشاركة والمضاربة: الغائب الأكبر

الفلسفة الاقتصادية الإسلامية تقوم على تقاسم الربح والخسارة (مضاربة، مشاركة). لكن معظم البنوك الإسلامية تتجنب هذا المسار، لأنه عالي المخاطرة، ويحتاج إلى إدارة حقيقية للمشاريع. فتعود لتفضيل المرابحة والإجارة لأنها أكثر أمانًا للبنك، وأقرب منطقًا للقرض التقليدي.

4. الشريعة والرقابة

لكي تُضفي "الشرعية"، تعتمد البنوك الإسلامية على "هيئات شرعية" تصادق على المنتجات. لكن:

  • هذه الهيئات تعمل غالبًا برواتب من البنك نفسه، فتغدو جزءًا من المنظومة لا رقيبًا عليها.

  • الفتوى تتحول إلى غطاء تجميلي يُبرّر المعاملات بدلًا من غربلتها.

5. الفارق بين النظام الإسلامي والواقع البنكي

  • النظام الإسلامي: قائم على المال الحقيقي، المشاركة الفعلية، تحريم الغرر والمقامرة، وتحويل المال إلى أداة إنتاج حقيقي.

  • النظام البنكي الحالي: قائم على النقود الورقية الاعتبارية، القروض، التوريق، والمضاربة في الأسواق المالية.
    البنوك الإسلامية وهي تعمل داخل هذه البيئة العالمية، لا تستطيع الخروج منها بالكامل، فتكتفي بتعديلات شكلية.

6. البُعد السياسي والاقتصادي

ظهور "المصارف الإسلامية" في كثير من الدول جاء كحل وسط:

  • إرضاء للرغبة الشعبية في تجنب الربا.

  • دون الاصطدام بالنظام المالي العالمي الذي لا يقبل بنموذج مستقل.
    وهكذا أصبحت البنوك الإسلامية حلّاً وسطًا: لا هي تطبيق كامل للشريعة، ولا هي ربوية صريحة، بل منطقة رمادية.


الخلاصة

البنوك الإسلامية، في معظم صورها الحالية، ليست إلا تجميلًا شرعيًا لآليات النظام المالي القائم، أكثر من كونها ثورة اقتصادية بديلة. هي محاولة لإيجاد "ربا مقنّع" بغطاء فقهي، بدلاً من إنشاء منظومة مالية إسلامية أصيلة تقوم على تقاسم المخاطر والربح والخسارة.

السؤال الأعمق إذن: هل يمكن بناء اقتصاد إسلامي حقيقي داخل منظومة رأسمالية عالمية ربويّة، أم أن "البنك الإسلامي" سيظل مجرد قشرة فوق جوهر واحد؟

+
أحدث أقدم

ويجيد بعد المقال


تنويه: هذا المقال (أو المحتوى) يقدم تحليلاً إعلامياً موضوعياً، ويخلو تماماً من أي تحريض أو دعوة للعنف، ويعكس رؤية نقدية متوازنة للأحداث، مع الالتزام التام بالأطر القانونية والمعايير المهنية.