السيادة الاقتصادية: الضرائب غير المباشرة: لماذا يدفع الفقراء ثمن عجز الحكومات؟

تُقدّم الضرائب غير المباشرة في الخطاب الرسمي على أنها وسيلة عادلة لتمويل الدولة، لأنها تفرض على الاستهلاك وليس على الدخل المباشر. لكن عند التدقيق، يظهر أن هذه الضرائب تتحول في الواقع إلى أداة ضغط اقتصادي على الطبقات الدنيا والمتوسطة، بينما تتيح للطبقات العليا والهياكل الاقتصادية الكبرى التهرب أو التخفيف من العبء.

1. ما هي الضرائب غير المباشرة؟

الضرائب غير المباشرة تشمل:

  • ضريبة القيمة المضافة (VAT) على السلع والخدمات.
  • الرسوم الجمركية على الاستيراد.
  • الضرائب على الترفيه والكماليات.

يُروّج لها على أنها "خفيفة" على المواطن العادي لأنها لا تُفرض مباشرة على الراتب. لكنها ثابتة بالنسبة للسلعة، أي أنها تُثقل كاهل من يستهلك أكثر نسبة إلى دخله، وهم غالبًا الفقراء.

2. التوزيع غير المتكافئ للعبء

عند تطبيق ضريبة على سلعة أساسية كالخبز، الوقود، أو الكهرباء:

  • المواطن ذو الدخل المحدود يشعر بالضغط المالي مباشرة.
  • الطبقات العليا تستطيع التحايل على طرق الاستهلاك، أو شراء بدائل غير خاضعة للضريبة، أو حتى الاستفادة من الإعفاءات.

النتيجة: التقليل من قدرة الفقراء على الحياة اليومية، بينما تتحسن مؤشرات الدولة المالية دون إعادة توزيع حقيقي للثروة.

3. العلاقة مع العجز المالي

في كثير من الدول العربية، العجز في الموازنة يشكل مبررًا لفرض هذه الضرائب. أي أن المواطن هو الذي يسدد ثمن سوء إدارة الدولة أو انخفاض أسعار النفط أو تراكم الديون.

  • الدولة تقول إنها "تحتاج للتمويل"،
  • المواطن يدفع الرسوم والضرائب،
  • الأسواق المالية تظل راضية، والميزانيات تظهر مؤشرات نجاح شكلي.

4. الضرائب غير المباشرة والرقابة السياسية

الضرائب غير المباشرة سهلة التطبيق: تُضمّن في سعر السلعة أو الخدمة دون الحاجة لإدارة جباية ضخمة.

  • هذا يقلل من الاحتكاك بين المواطن والدولة على مستوى الراتب.
  • لكنه يزيد من سيطرة الدولة على الحياة الاقتصادية اليومية للمواطن، بينما تخفي العبء الحقيقي وراء السعر.

5. النتيجة: عبء متراكب على الفقراء

  • المواطن الفقير يواجه أسعارًا أعلى للسلع الأساسية والخدمات.
  • الطبقات الوسطى تدفع أكثر من قدرتها.
  • النخبة الاقتصادية غالبًا تتجنب العبء المباشر، مستفيدة من الإعفاءات والاستراتيجيات المالية.

بهذا تتحول الضرائب غير المباشرة من أداة تمويل إلى وسيلة لإعادة توزيع الثروة بشكل معاكس للعدالة الاجتماعية.

الخلاصة النقدية

الضرائب غير المباشرة ليست مجرد أداة اقتصادية محايدة، بل آلية جبر اقتصادي تجعل الفقراء يدفعون ثمن إخفاقات الدولة المالية، بينما تُحافظ على استقرار ميزانيتها الظاهري. وهنا يظهر السؤال الحقيقي: هل تخدم الدولة مواطنيها أم السوق والنظام المالي الدولي على حساب الطبقات الدنيا؟

سلسلة: السيادة الاقتصادية: بين الضرائب والديون والخصخصة

+
أحدث أقدم

ويجيد بعد المقال


تنويه: هذا المقال (أو المحتوى) يقدم تحليلاً إعلامياً موضوعياً، ويخلو تماماً من أي تحريض أو دعوة للعنف، ويعكس رؤية نقدية متوازنة للأحداث، مع الالتزام التام بالأطر القانونية والمعايير المهنية.