
في ظاهر الأمر، تبدو الضرائب الحديثة على الدخل وسيلة تمويل الدولة، لكنها في العمق أداة تحكم سياسي واقتصادي، تختلف جذريًا عن نظام الزكاة الإسلامي الذي أسس على مبادئ التكافل والعدالة الاجتماعية.
تقدم هذه المقارنة تحليلًا نقديًا بين الزكاة والنظام الحديث للضرائب على الدخل، من زاوية العدالة، توزيع الثروة، والسيطرة السياسية:
1. الأساس الفلسفي
- الزكاة: فريضة تعبدية قبل أن تكون مالية، تؤخذ بنص شرعي محدد، وتهدف إلى تحقيق تكافل اجتماعي مباشر. الدولة ليس لها حرية مطلقة في فرضها أو توجيهها.
- ضريبة الدخل: أداة سياسية واقتصادية تفرضها الدولة بقرار تشريعي، ويمكن تعديل نسبها ومصارفها حسب مصلحة السلطة، ما يجعلها مرنة بيد الحكومة للسيطرة على المجتمع.
2. معيار الوجوب والتفاوت الاجتماعي
- الزكاة: تُفرض فقط على من يملك نصابًا زائدًا عن حاجته الأساسية، بعد مرور الحول. الفقراء والمحتاجون معفيون بالكامل.
- ضريبة الدخل: غالبًا تصاعدية، لكنها تفرض أحيانًا على ذوي الدخل المحدود، مما يثقل كاهل الطبقات الوسطى والدنيا.
3. النسبة
- الزكاة: ثابتة، 2.5% على الأموال النقدية، ونسب متفاوتة على الزروع والأنعام، يمنع النص التشريعي التلاعب أو الزيادة.
- ضريبة الدخل: نسب متغيرة وتصاعدية، قد تصل في بعض الدول إلى 40–50%، ما يجعلها وسيلة ضغط قوية بيد الدولة.
4. مصارف الأموال
- الزكاة: محصورة في ثمانية مصارف محددة بالقرآن، لا يمكن تحويلها لمشاريع سياسية أو إنفاق عسكري إلا في "في سبيل الله".
- ضريبة الدخل: تدخل في خزينة الدولة (الموازنة العامة)، وتنفق على مشاريع الحكومة وفق أولوياتها، حتى لو على مشاريع فاشلة، أو خدمة الديون، أو أجهزة القمع.
5. العلاقة بين المواطن والدولة
- الزكاة: علاقة مباشرة بين الفرد والمجتمع، والدولة مجرد "عامل" يجمع ويوزع.
- ضريبة الدخل: المواطن خاضع للسلطة المركزية التي تحتكر الجباية والإنفاق، ما يوسع مجال الرقابة والسيطرة السياسية.
6. العدالة
- الزكاة: عدالة رأسية من الغني إلى الفقير، لا أفقية، تُفرض بحسب الثروة.
- ضريبة الدخل: تُقدّم كأداة عدالة عبر التصاعدية، لكنها في الواقع تُرهق الطبقات الوسطى والدنيا، بينما يجد الأثرياء ثغرات للتهرب.
7. السيطرة السياسية
- الزكاة: محدودة التحكم السياسي، مقيدة بالنص الشرعي، فلا تستطيع الدولة رفع نسبها أو تحويل مساراتها.
- ضريبة الدخل: أداة مركزية للسلطة، تستخدم ليس فقط لتمويل الدولة، بل أيضًا للرقابة الاقتصادية، السيطرة على المجتمع، أو حتى لمعاقبة فئات معينة أو تشجيع أخرى عبر الإعفاءات.
الخلاصة النقدية
الزكاة نظام تكافلي أخلاقي يوازن بين المال والمجتمع، بينما ضريبة الدخل نظام سياسي-بيروقراطي يوازن بين الدولة وخزينتها. الفارق الجوهري أن الإسلام جعل المال في خدمة المجتمع مباشرة، بينما النظام الحديث يجعل المال في خدمة الدولة أولًا، ثم قد تعود الفوائد – أو لا تعود – إلى المجتمع.