معركة العقيدة: كيف يقنع الإسرائيلي نفسه بالاستمرار في الاحتلال وسينهي الوجود الفلسطيني؟

السؤال ليس عسكريًا فقط، بل نفسي وفكري. كيف يمكن لدولة تعتمد على القوة المفرطة أن تقنع مواطنيها بأن استمرار الاحتلال مشروع قابل للحياة، في حين أن الفلسطينيين يرفضون الاستسلام، ويجعلون كل عملية احتلال اختبارًا دائمًا لصمودهم؟ الإجابة تكمن في إعادة إنتاج سردية الاحتلال داخليًا، وهي عملية مركّبة بين السياسة، الإعلام، والتعليم، والهوية الجمعية.

١- إنتاج سردية “التهديد الدائم”

الإسرائيلي يعيش تحت خطاب دائم مفاده: “الفلسطيني خطر وجودي”. هذه السردية تمنح الاحتلال شرعية ذاتية: كل عملية قمع أو استيطان تُقدَّم كاستجابة دفاعية، لا كعدوان. من هنا، يصبح استمرار الاحتلال واجبًا دفاعيًا وليس خيارًا استعماريًا.

٢- تحييد الضمير الجماعي

الاحتلال ينجح في تحويل الصراع الأخلاقي إلى أرقام وإحصاءات: تعداد ضحايا، مواقع استيطان، ميزانيات دفاعية. بهذه الطريقة يتحوّل الدم الفلسطيني إلى مجرد بيانات، ويصبح من السهل على الإسرائيليين أن يقنعوا أنفسهم بأنهم مجرد “إدارة أمنية” وليس قوة تحتل شعبًا كاملًا.

٣- التعليم والهندسة الرمزية للوعي

من المنهج المدرسي إلى الثقافة الشعبية، يُروَّج الفلسطيني غالبًا كعدو، أو كتهديد مستمر للأمن القومي. حتى الرموز التاريخية تُعاد صياغتها لتبرير الاحتلال، فتصبح الأرض وسيلة للبقاء، لا مكانًا للإنسان. هذا يعيد إنتاج الإيمان بالحق في الاحتلال عبر الأجيال.

٤- الإعلام والضغط النفسي الداخلي

الإعلام الإسرائيلي يقدم الاحتلال على أنه معركة وجودية يومية: حوادث، صواريخ، عمليات فدائية، ونقل دائم لفكرة أن الخطر الفلسطيني مستمر. النتيجة: شعور داخلي دائم بأن التخلي عن الأرض أو التنازل سيؤدي إلى زوال إسرائيل نفسها، حتى لو كانت المعركة بعيدة عن الواقع اليومي للفرد العادي.

٥- الاقتصاد والاعتماد المتبادل

الوجود الفلسطيني اقتصاديًا يُدار في سياق احتياطي رقابي: العمال، المشاريع، الأسواق المحلية. هذا يسمح للإسرائيلي أن يرى الفلسطيني موردًا اقتصاديًا متحكمًا، وفي نفس الوقت يجعل الاستسلام الفلسطيني أمرًا شبه مستحيل. هكذا يُقنع نفسه بأن السيطرة ضرورية للبقاء الاقتصادي والسياسي معًا.

٦- التضليل الذاتي والاستمرار العقلي

الإسرائيلي يعيش ضمن دائرة تحفيزية داخلية: كل نجاح عسكري أو سياسي يُسوّق على أنه دليل على شرعية الاحتلال. بينما تُحوّل الهجمات الفدائية إلى “إثبات قسوة الواقع”، ما يُبرر زيادة السيطرة وليس الخضوع للتحدي الفلسطيني. هذا التناقض النفسي يُسمّى التضليل الذاتي: القدرة على تبرير استمرار الظلم كأمر حتمي للحفاظ على الدولة.

الخاتمة

الاستمرار الإسرائيلي في الاحتلال لا يعتمد فقط على القوة العسكرية، بل على سردية مركّبة من التهديد، التحايل النفسي، والسيطرة الرمزية على المعنى. من هنا، ينجح الاحتلال في إقناع نفسه بأنه مشروع مستمر، رغم أن الفلسطينيين يجعلون الاستسلام مستحيلًا. ومع ذلك، كلما طالت سنوات الاحتلال، تتزايد الضغوط الأخلاقية والديموغرافية، مما يجعل استمرار الرواية الداخلية مجرد لعبة معقدة بين القوة، العقل، والوعي الجمعي.

سلسلة: فلسطين ومعركة العقيدة: من السلاح إلى الوعي

+
أحدث أقدم

ويجيد بعد المقال


تنويه: هذا المقال (أو المحتوى) يقدم تحليلاً إعلامياً موضوعياً، ويخلو تماماً من أي تحريض أو دعوة للعنف، ويعكس رؤية نقدية متوازنة للأحداث، مع الالتزام التام بالأطر القانونية والمعايير المهنية.