التمرد العقائدي: الخوارج: من شعار "لا حكم إلا لله" إلى فوضى العنف العقائدي

القرن الأول الهجري → تقريبًا 622–719م - ظهورهم بعد معركة صفين (657م)، ونشوء فرقة الخوارج.

لم تكن حركة الخوارج مجرد خلاف فقهي أو سياسي في صدر الإسلام، بل كانت أول ظاهرة عقائدية ثورية اتخذت من التكفير والعنف منهجًا. رفعت شعارًا قرآنيًا ("لا حكم إلا لله") لكنها فرغته من مضمونه، وحولته إلى أداة للتمرد والفوضى. من خروجهم على عليّ بن أبي طالب إلى تحولهم إلى بؤر عنف متكررة، أسس الخوارج لنمط سيظل يتكرر: حين تتحول العقيدة إلى مشروع تمرّد مسلح بلا أفق حضاري.

البدايات: من صفين إلى النهروان

  • نشأ الخوارج في معركة صفين (37هـ) حين قبل عليّ بالتحكيم مع معاوية.
  • رأى فريق من جيشه أن التحكيم خيانة لشرع الله، فانسحبوا رافعين شعارهم: "لا حكم إلا لله".
  • تحوّل الخلاف من اجتهاد سياسي إلى تكفير مباشر، إذ كفّروا عليًا ومعاوية وكل من قبل التحكيم.
  • دخلوا في مواجهة مفتوحة انتهت بمذبحة النهروان، التي لم تستأصل جذورهم.

العقيدة والمنهج

  • اعتبروا أن أي ذنب كبير يخرج صاحبه من الإسلام → فأصبح التكفير عندهم قاعدة سياسية.
  • رفعوا مبدأ المساواة المطلقة، لكنهم فهموه بطريقة متشددة ألغت أي مجال للاجتهاد أو الخلاف.
  • استندوا إلى بساطة ظاهرية للنصوص، لكنهم حوّلوها إلى أداة صراع لا إلى أساس عدل.
  • بذلك صاروا أول من حوّل النص الديني إلى شعار قتال أكثر من كونه مرجع هداية.

التمرد المستمر

  • تحوّل الخوارج إلى مجموعات ثائرة متفرقة في العراق والجزيرة وعُمان وشمال أفريقيا.
  • قاموا بانتفاضات متكررة ضد الدولة الأموية ثم العباسية، ونجحوا أحيانًا في السيطرة على مناطق.
  • في عُمان وشمال أفريقيا، استطاعوا تأسيس كيانات سياسية (الإباضية أصلها خارجي قديم، لكنها لاحقًا تمايزت ونقّت نفسها من الغلو).
  • أبرز قوتهم لم تكن في الجيوش الكبيرة، بل في العمليات المفاجئة والعنف العشوائي.

الاغتيال كأداة

  • مارسوا سياسة الاغتيال ضد من اعتبروهم "كفارًا".
  • أخطر عملية لهم كانت اغتيال علي بن أبي طالب (40هـ) على يد عبد الرحمن بن ملجم، وهو ذروة تلاقي الفكرة مع السلاح.
  • اغتيالهم لم يكن يهدف لبناء بديل سياسي، بل لتدمير ما هو قائم فقط.

التراجع والتحول

  • ظلوا يشكلون تهديدًا مستمرًا للدولتين الأموية والعباسية، لكنهم فشلوا في إقامة دولة مستقرة واسعة.
  • مع الزمن، تفرقت جماعتهم: بعضهم هلك في التمردات، وبعضهم تحوّل إلى الإباضية التي بقيت حتى اليوم بمذهب معتدل.
  • انتهى نموذج "الخوارج المقاتلين"، لكن بقي أثرهم كرمز للغلو والعنف العقائدي.

خلاصة تحليلية

الخوارج كانوا البذرة الأولى لظاهرة التمرد العقائدي:

  • شعار ديني → يتحول إلى أداة صراع سياسي.
  • تكفير شامل → يفتح الباب لعنف بلا حدود.
  • تمرّد مستمر → لكنه عاجز عن بناء مشروع جامع.

إنهم المثال الأوضح على أن العنف العقائدي، مهما بدا متدينًا، ينتهي دائمًا إلى تفكيك الجماعة لا بنائها، وإلى إهدار الطاقة الإسلامية في صراع داخلي لا نهاية له.

+
أحدث أقدم

ويجيد بعد المقال


تنويه: هذا المقال (أو المحتوى) يقدم تحليلاً إعلامياً موضوعياً، ويخلو تماماً من أي تحريض أو دعوة للعنف، ويعكس رؤية نقدية متوازنة للأحداث، مع الالتزام التام بالأطر القانونية والمعايير المهنية.