القرن الثالث الهجري → تقريبًا 815–913م - الحركة القرمطية بدأت في نهاية القرن الثاني/بداية الثالث الهجري (المستوى المبكر)، وبرزت في القرن الثالث الهجري في البحرين والحجاز.
يُعدّ القرامطة من أكثر الحركات إثارة للجدل في التاريخ الإسلامي، فقد خرجوا من رحم الدعوة الإسماعيلية في القرن الثالث الهجري، لكنهم حوّلوها إلى ثورة اجتماعية راديكالية قلبت التوازن السياسي في المشرق لقرنين تقريبًا. جمعوا بين العقيدة الباطنية، والتنظيم السري، والتعبئة الثورية للفقراء والمهمّشين. لكن هذه الحركة التي أرعبت الخلافة العباسية واقتلعت الحجر الأسود من الكعبة، انتهت متآكلة تحت ضربات السياسة والداخل معًا.
النشأة والخلفية الفكرية
- ظهرت الدعوة القرمطية في الكوفة على يد حمدان بن الأشعث الملقّب بـ”قرمط” (حوالي 278هـ/891م).
- ارتبطت بالدعوة الإسماعيلية التي بشّرت بظهور “الإمام المهدي” كمنقذ موعود.
- استندت إلى خطاب ديني – اجتماعي ركّز على المساواة، والعدل، ونقد الترف والظلم العباسي.
- سرعان ما اجتذبت الحرفيين والفلاحين والموالي، لتتحول إلى حركة جماهيرية ثورية.
التوسع والتمرد
- انتشرت الدعوة في البحرين والأحساء والقطيف، حيث أنشأوا دولة قوية ذات طابع اشتراكي مبكر: ملكية مشتركة، إلغاء الفوارق الطبقية، توزيع الموارد.
- خاضوا معارك مع جيوش العباسيين، واستطاعوا فرض نفوذهم على مناطق واسعة في الخليج والجزيرة.
- كان شعارهم مزيجًا من الدعوة للإمام الغائب، مع ثورة اجتماعية ضد الاستغلال السياسي والاقتصادي.
مواجهة الخلافة العباسية
- بلغت المواجهة ذروتها في أوائل القرن الرابع الهجري، حين هاجم القرامطة قوافل الحج، وارتكبوا مذابح في مكة عام 317هـ.
- قاموا بانتزاع الحجر الأسود من الكعبة ونقله إلى الأحساء، حيث بقي عندهم أكثر من عشرين عامًا.
- كانت هذه الضربة رمزية، كشفت عجز الخلافة العباسية عن حماية أقدس مقدسات الإسلام.
التناقضات الداخلية
رغم شعارات المساواة، تحولت السلطة إلى نخب ضيقة من قادة القرامطة.
الصراع بين “الفكرة المهدوية” والتنظيم السياسي أضعف بنيتهم.
ومع الزمن، انقسموا بين تيارات مختلفة: بعضهم ظل مرتبطًا بالإسماعيلية، وبعضهم انحرف إلى نزعات باطنية متطرفة.
الصراع بين “الفكرة المهدوية” والتنظيم السياسي أضعف بنيتهم.
ومع الزمن، انقسموا بين تيارات مختلفة: بعضهم ظل مرتبطًا بالإسماعيلية، وبعضهم انحرف إلى نزعات باطنية متطرفة.
التراجع والانهيار
- بحلول القرن الخامس الهجري، تراجعت قوتهم بفعل الحروب المتواصلة مع العباسيين والفاطميين على السواء.
- ضعف اقتصادهم مع تحوّل طرق التجارة وتراجع قدرتهم على السيطرة.
- سقطت دولتهم نهائيًا في الأحساء عام 470هـ تقريبًا، بعد أن قضت عليهم القبائل العربية المتحالفة مع القوى الإقليمية.
خلاصة
القرامطة كانوا أكثر من مجرد حركة دينية منحرفة أو ثورة اجتماعية ناقمة؛ كانوا ظاهرة جمعت الباطنية بالعنف الثوري، والدين بالسياسة، والشعار بالممارسة. صعودهم كشف هشاشة الخلافة العباسية وعجزها عن معالجة الأزمات الاجتماعية، وسقوطهم أبرز محدودية المشروع القائم على الغلو والدموية. لكن إرثهم ظلّ حيًّا في الذاكرة الإسلامية كرمز للفوضى الدينية والسياسية التي يمكن أن تُولد حين يتلاقى القهر الاجتماعي مع العقيدة المؤدلجة.