التمرد العقائدي: الصفوية: من نشر المذهب إلى صناعة الدولة القسرية

  

القرن العاشر الهجري → تقريبًا 1501–1722م - الدولة الصفوية تأسست سنة 1501م على يد إسماعيل الصفوي، واستمرت حتى سقوطها تقريبًا 1722م.

الدولة الصفوية واحدة من أكثر الظواهر تأثيرًا في تاريخ المشرق الإسلامي؛ صعدت من حركة صوفية إلى قوة سياسية، ثم تحولت إلى دولة مركزية أعادت رسم الخريطة المذهبية والسياسية للمنطقة. من خلالها تَشَكَّل التشيع الإثني عشري كهوية سياسية رسمية، ومن خلالها بدأ الصراع الطويل مع العثمانيين، ومعه تعمّق الانقسام المذهبي الذي ما زالت آثاره قائمة. لكن هذه الدولة التي بزغت بقوة في بدايات القرن السادس عشر، انتهت بعد قرنين إلى انهيار داخلي مدوٍّ.

من الطريقة الصوفية إلى مشروع الدولة

بدأت الصفوية كطريقة صوفية في أردبيل أسسها الشيخ صفي الدين الأردبيلي (ت 1334م).
كانت دعوية روحية ذات نفوذ اجتماعي، ثم تحولت مع أحفاده إلى حركة ذات طابع سياسي عسكري.
إسماعيل الصفوي (ت 1524م) هو من حوّلها إلى دولة، مستندًا إلى ولاء قبائل التركمان القزلباش، ومعلناً التشيع الإثني عشري مذهبًا رسميًا لإيران.

التشيع كأداة للتمايز السياسي

جعل الصفويون التشيع الإثني عشري هوية الدولة لتمايزها عن الخلافة العثمانية السنية.
استُخدمت المؤسسة الدينية لترسيخ الولاء، ونُقل علماء شيعة من جبل عامل (لبنان) والعراق لبناء بنية فقهية للدولة.
بذلك تحوّل الانقسام المذهبي إلى أداة سياسية، صنعت حدودًا بين “الشرق الشيعي” و”الغرب السني”.

الصراع الصفوي – العثماني

مثّل العثمانيون أكبر تهديد للصفويين، فانفجرت معركة جالديران (1514م) التي هزم فيها السلطان سليم الأول إسماعيل الصفوي.
رغم الهزيمة، استطاع الصفويون الحفاظ على دولتهم عبر الجبال والتحالفات، ما أدخل المنطقة في صراع طويل أضعف الطرفين.
هذا الصراع جعل المشرق الإسلامي ساحة انقسام دائم، وأتاح للقوى الأوروبية لاحقًا التمدد في المحيط.

ذروة القوة ثم الانحدار

في عهد الشاه عباس الأول (1587–1629م) بلغت الدولة الصفوية أوج قوتها: إصلاح الجيش، إنشاء عاصمة جديدة (أصفهان)، وتنشيط التجارة مع أوروبا.
لكن هذه القوة كانت سطحية؛ إذ اعتمدت على القزلباش أولاً ثم على مرتزقة وجيش منظم مستورد النموذج.
مع مرور الزمن، ضعفت القبضة المركزية، وتفككت الدولة بين صراعات داخلية وغزوات خارجية.

النهاية والانهيار

بحلول أوائل القرن الثامن عشر، عانت الدولة من فساد داخلي، انهيار اقتصادي، وتراجع عسكري.
جاء الغزو الأفغاني بقيادة محمود الهوتكي عام 1722م ليسقط أصفهان، وينهي فعليًا الدولة الصفوية.
حاولت سلالات لاحقة (الأفشارية، القاجارية) وراثة الصفويين، لكن الهوية الطائفية التي زرعوها بقيت أخطر إرثهم.

خلاصة

الصفويون لم يكونوا مجرد سلالة حكمت إيران؛ بل مشروع أعاد تشكيل المنطقة سياسيًا ومذهبيًا. من خلالهم انتقل التشيع من إطار اجتماعي محلي إلى هوية دولة، ومن خلالهم تكرّس الانقسام مع العثمانيين. لكن قوة قامت على العسكرة والتعبئة المذهبية لم تستطع الصمود أمام تحديات الزمن، فانتهت سريعًا، تاركة وراءها إرثًا من الصراعات لم ينطفئ حتى اليوم.
+
أحدث أقدم

ويجيد بعد المقال


تنويه: هذا المقال (أو المحتوى) يقدم تحليلاً إعلامياً موضوعياً، ويخلو تماماً من أي تحريض أو دعوة للعنف، ويعكس رؤية نقدية متوازنة للأحداث، مع الالتزام التام بالأطر القانونية والمعايير المهنية.