الملك حسين .. أغبى رهان في التاريخ: حين بُني الوهم وسقطت الأمة

في التاريخ السياسي للأمم، تُبنى الدول بالدماء والحروب والوعي الجمعي، لا بالانتظار على أبواب المستعمر. لكن التجربة العربية مع الملك حسين بن علي، شريف مكة، تمثل واحدة من أكثر اللحظات مأساوية في التاريخ الحديث: لحظة تحوّل الزعامة إلى رهينة وعود أجنبية، وانهيار حلم الوحدة على مذبح الاستعمار. إنها ليست مجرد تجربة فاشلة لشخص، بل محطة فاصلة أسست لسقوط أمة بأكملها، وما زالت تبعاتها تلاحق العرب حتى اليوم.

وهم الدولة الممنوحة

بينما كان التاريخ يثبت أن الممالك لا تُمنح وإنما تُنتزع بالقوة، آمن الملك حسين أن بريطانيا وفرنسا ستقدمان له "المملكة العربية الكبرى" مكافأة على مساعدتهما في الحرب ضد العثمانيين. لم يعتمد على مشروع ذاتي ولا قوة شعبية، بل على تعهدات سرية من الدبلوماسيين الأوروبيين. هنا وقع الخطأ التاريخي: تحويل مشروع "تحرير الأمة" إلى مقايضة سياسية مع قوى استعمارية لا تؤمن إلا بالمصالح.

خديعة أوروبا: استخدام ثم تخلٍ

كانت بريطانيا واضحة في استراتيجيتها: الاستعانة بالهاشميين كأداة ميدانية لتفكيك الدولة العثمانية، ثم تقسيم المشرق وفق اتفاقية سايكس – بيكو، وزرع الكيان الصهيوني في فلسطين عبر وعد بلفور. لم تكن المملكة العربية سوى وهم دعائي لتعبئة القبائل في الحجاز والشام. وحين انتهت المهمة، تخلت لندن وباريس عن كل وعودهما، وتركوا الملك حسين وأبناءه أمام واقع مهين: إمارات مجتزأة لا تملك قرارها، تتنفس برئة استعمارية.

المفارقة القاتلة

المفارقة التاريخية أن العثمانيين، رغم ضعفهم، كانوا يدافعون عن كيان سياسي جامع للعرب والمسلمين، بينما ساهم الملك حسين في إسقاط هذا الكيان مقابل وعود ورقية. لقد باع الإمكانية الوحيدة لمشروع سياسي جامع مقابل سراب. وحين أدرك الخديعة، كان قد فقد الأرض والقوة والشرعية.

من سقوط مشروع إلى سقوط أمة

ما فعله الملك حسين لم يكن مجرد إخفاق سياسي، بل جريمة استراتيجية بحق الأمة. فقد مهّد الطريق لتقسيم المشرق العربي إلى كيانات مجهرية، مُمزقة، فاقدة للمشروع. من لحظة ذلك الرهان الخاطئ، دخل العرب في قرن كامل من التجزئة والتبعية: من وعد بلفور، إلى الاحتلال البريطاني والفرنسي، إلى قيام إسرائيل، وصولًا إلى الأنظمة الوظيفية المرتبطة بالغرب حتى يومنا هذا.

الدرس المستمر: الشرعية لا تُستورد

التجربة تكشف آلية "الجبر السياسي" الذي حُكم به العرب منذ ذلك الزمن: الاعتقاد بأن القوة والشرعية تأتي من الخارج، لا من الذات. وهذا هو أساس الانهيار الذي ما زال يتكرر حتى اليوم بأشكال جديدة: أنظمة تتعلق بأمريكا أو أوروبا أو حتى قوى دولية أخرى، معتقدة أن البقاء مرهون برضا الغريب.

خاتمة

قصة الملك حسين ليست مجرد صفحة من الماضي، بل مرآة تكشف جذور المأساة العربية المعاصرة. إنها أسوأ حالة في التاريخ العربي الحديث، لأنها لم تسقط مشروع رجل واحد فقط، بل أسقطت إمكانية الأمة في النهوض من داخلها. وما نعانيه اليوم من تجزئة وتبعية ليس إلا امتدادًا مباشرًا لذلك الخيار الخاطئ: انتظار "مملكة عربية" تُمنح من أوروبا، بدلًا من أن تُبنى بدم الأمة وإرادتها.

+
أحدث أقدم

ويجيد بعد المقال


تنويه: هذا المقال (أو المحتوى) يقدم تحليلاً إعلامياً موضوعياً، ويخلو تماماً من أي تحريض أو دعوة للعنف، ويعكس رؤية نقدية متوازنة للأحداث، مع الالتزام التام بالأطر القانونية والمعايير المهنية.