الانتحار بدل الموت في المعركة: قراءة في التناقض النفسي للجيش الإسرائيلي

ليست كل الهزائم عسكرية، فالهزيمة الأعمق تبدأ في النفس. حين يعجز الجندي عن احتمال ثقل الخوف والصدمة، يصبح الموت الذي كان يهرب منه أقرب إليه من الحياة التي يحياها. وهنا يظهر التناقض الجارح: جندي يخشى القتال في الميدان، لكنه يذهب طوعًا إلى الانتحار.

موت بلا معنى أم موت باختيار؟

في المعركة، يواجه الجندي الإسرائيلي موتًا عشوائيًا؛ قذيفة أو كمين أو عبوة تُنهي حياته دون أن يملك السيطرة على لحظة النهاية. أما الانتحار، فيُعطيه وهمًا بالتحكم في مصيره، وكأن الجندي يقول: "لن أترك مصيري بيد خصمي، أنا من يقرر النهاية".

الخوف من العجز أكثر من الموت

الخوف الأكبر ليس من الموت نفسه، بل من الإصابات المروعة: بتر، حروق، عجز دائم. بالنسبة للبعض، الرصاصة في الرأس أخف من حياة مشلولة في كرسي متحرك. الانتحار هنا ليس شجاعة، بل هروب من حياة بلا كرامة.

تراكم الصدمات وانفصال الوعي

مشاهد الأشلاء والدمار اليومية تترك ندوبًا نفسية عميقة. الجندي يتحول تدريجيًا إلى آلة فارغة الإرادة، يرى زملاءه يُقتلون واحدًا تلو الآخر، ويستمع لقيادته وهي تكرر أن "الوضع تحت السيطرة". عند هذه النقطة، يفقد الإحساس بالمعنى، فلا يعود يفرّق بين أن يُقتل في ساحة المعركة أو بيده.

فقدان الثقة بالقيادة

حين يكتشف الجندي أن الأرقام تُخفى، وأن الروايات الرسمية ليست سوى تجميل للهزيمة، تتكسر آخر روابطه بالمنظومة العسكرية. الانتحار يصبح إعلانًا صامتًا عن رفض المشاركة في هذه "الخديعة الكبرى".

مقارنة تاريخية: ظاهرة تتكرر في جيوش منهكة

هذه الظاهرة ليست حكرًا على إسرائيل.

  • في فيتنام، شهد الجيش الأمريكي معدلات انتحار مرتفعة بين الجنود العائدين من الجبهة، بعدما تحولت الحرب إلى مستنقع لا نهاية له.
  • في أفغانستان خلال الثمانينيات، عانى الجيش السوفيتي من انتحارات متكررة لجنوده الذين وجدوا أنفسهم محاصرين في حرب عصابات أنهكتهم وأفقدتهم المعنى.
  • حتى بعد حربي العراق وأفغانستان، ارتفعت نسب الانتحار بين قدامى المحاربين الأمريكيين بشكل لافت، كدليل على أن الخسارة النفسية أعمق من الخسائر في الميدان.

إذن، الانتحار في صفوف الجنود الإسرائيليين اليوم ليس شذوذًا، بل علامة تقليدية على أن الجيش يعيش مرحلة الاستنزاف النفسي، وأن الانهيار المعنوي يسبق عادة الانكسار العسكري.

الخلاصة: الهزيمة النفسية تسبق العسكرية

الانتحار وسط صفوف الجنود الإسرائيليين ليس حالة فردية، بل مؤشر على أن الخوف تحوّل إلى يأس، وأن فقدان المعنى صار أقوى من غريزة البقاء. هنا يظهر التناقض: الهروب من الموت في الحرب يقود إلى الموت بالانتحار، لكن الفارق أن الأول يُفرض عليهم، والثاني يختارونه.

وهذا وحده يكشف أن المعركة الحقيقية ليست في الميدان فقط، بل في أعماق النفس البشرية؛ حيث يبدأ الانهيار قبل أن تُكسر المدافع أو تنهار الجبهات.

+
أحدث أقدم

ويجيد بعد المقال


تنويه: هذا المقال (أو المحتوى) يقدم تحليلاً إعلامياً موضوعياً، ويخلو تماماً من أي تحريض أو دعوة للعنف، ويعكس رؤية نقدية متوازنة للأحداث، مع الالتزام التام بالأطر القانونية والمعايير المهنية.