المدن الميتة: كيف تُهدم الأوطان من الداخل؟

ليست المدن مجرد أبنية تُشيَّد، أو طرق تُرصف، أو أبراج تُضاء. المدن هي ذاكرة الشعوب ومختصر هويتها؛ فيها تختزن صورة الأمة عن نفسها، وتتجسد رموزها وثقافتها وسرديتها التاريخية. ولذلك، لم يكن استهداف المدن عبر الحروب والخراب العمراني فعلًا عابرًا، بل مشروعًا سياسيًا بامتياز: تدمير المكان ليُمحى الإنسان.

المدينة كساحة حرب رمزية

حين تُقصف حلب، أو تتحول الموصل إلى ركام، أو يُفجَّر مرفأ بيروت، أو تُحاصر غزة حتى العدم، فالمستهدف ليس الحجر فقط، بل الذاكرة الجمعية. إن هدم الجامع والأسواق والبيوت القديمة ليس مجرد خسارة معمارية، بل اقتلاع للجذور التي تمنح المجتمع هويته واستمراريته.

الخراب المدبَّر: من الغزو إلى "إعادة الإعمار"

لا يكتفي المشروع بالهدم العسكري المباشر، بل يمتد إلى إعادة الإعمار الموجّهة. فالمدينة بعد الحرب لا تُبنى كما كانت، بل كما يُراد لها أن تكون: مدينة مقطوعة عن ماضيها، مفصولة عن هوية سكانها، مُخضعة لشبكات مصالح جديدة تمسك بالاقتصاد والسياسة. وهكذا يتحول الدمار إلى أداة لإعادة هندسة الشعوب.

من المدينة إلى الوطن

حين تموت المدن، يموت الوطن ببطء. لأن العاصمة ليست مجرد مكان للحكم، بل رمز للشرعية، ولأن الأسواق القديمة ليست مجرد تجارة، بل ذاكرة للعيش المشترك، ولأن الشوارع ليست مجرد ممرات، بل خريطة للوعي الجمعي. لذلك يُراد للمدن أن تُستنزف، حتى تصبح "فراغًا عمرانيًا" يهيمن عليه الخارج ويُعاد تشكيله.

سلسلة: المدن الميتة: كيف تُهدم الأوطان من الداخل؟

+
أحدث أقدم

ويجيد بعد المقال


تنويه: هذا المقال (أو المحتوى) يقدم تحليلاً إعلامياً موضوعياً، ويخلو تماماً من أي تحريض أو دعوة للعنف، ويعكس رؤية نقدية متوازنة للأحداث، مع الالتزام التام بالأطر القانونية والمعايير المهنية.