المدن الميتة: غزة: المدينة التي يريدون محوها لا فقط إخضاعها

غزة ليست مجرد شريط جغرافي ضيق على الساحل، بل تجربة حية لتدمير المدينة كأسلوب سياسة ممنهجة. في هذه المساحة الصغيرة، تتجسد آليات الهدم المتكرّر: الحصار، القصف، التجويع، والضغط النفسي على السكان. هنا، لا يتعلق الأمر بالسيطرة العسكرية فحسب، بل بمحاولة محو المدينة من الوجود الاجتماعي والثقافي، وتحويلها إلى "مدينة بلا تاريخ ولا أمل".

الحصار: الهدم البطيء

أكثر من عشرين عامًا من الحصار جعلت غزة نموذجًا للمدينة المحاصرة. الكهرباء محدودة، المستشفيات تعاني، الاقتصاد مدمّر، والتعليم شبه مشلول. كل هذه العناصر ليست نتائج طبيعية للصراع، بل أدوات سياسية لتفكيك المدينة من الداخل، وجعل سكانها تحت رحمة قرارات خارجية.

القصف المتكرر: الخراب الدوري

كل عملية عسكرية على غزة تحمل توقيعًا مزدوجًا: تدمير البنية التحتية وتوجيه رسالة للمدينة بأنها ليست آمنة، وأن وجودها يمكن أن يُمحى في أي لحظة. المدارس، المستشفيات، الأسواق، وحتى المنازل الخاصة تتحول إلى أهداف، لتصبح المدينة مسرحًا دائمًا للخراب.

السكان كأداة وسياسة

في غزة، يتعرض السكان إلى الهدم النفسي والاجتماعي قبل أي شيء آخر. البطالة والفقر والضغط النفسي المستمر يولّد إحباطًا جماعيًا، ويجعل المدينة أقرب إلى صورة "مدينة ميتة" رغم وجود الحياة اليومية. الهدم هنا لا يقتصر على الحجر، بل يمتد إلى المجتمع ككل، في محاولة لتفكيك أي مقاومة محتملة للوصاية والسيطرة.

غزة كتحذير

غزة اليوم ليست مجرد مدينة تحت الحصار؛ إنها نموذج لما يمكن أن يحدث عندما يُصبح الخراب سياسة متكررة، والمدينة مجرد أداة في لعبة القوى الكبرى. الهدم ليس حدثًا عابرًا، بل مشروع طويل المدى لإخضاع الشعوب، ومحو تاريخها وهويتها، وتحويل المدينة إلى فراغ يحكمه الخارج.

سلسلة: المدن الميتة: كيف تُهدم الأوطان من الداخل؟

+
أحدث أقدم

ويجيد بعد المقال


تنويه: هذا المقال (أو المحتوى) يقدم تحليلاً إعلامياً موضوعياً، ويخلو تماماً من أي تحريض أو دعوة للعنف، ويعكس رؤية نقدية متوازنة للأحداث، مع الالتزام التام بالأطر القانونية والمعايير المهنية.