المدن الميتة: العمران كهوية: كيف يتحول تدمير البيوت إلى محو الشعوب

ليست البيوت مجرد حجارة وسقوف، بل هي حاملة للذاكرة الجمعية للمدينة، ومرآة لهويتها. كل شارع، كل سوق، كل جامع أو كنيسة، وكل بيت قديم يخزن تاريخًا مشتركًا يربط السكان بماضيهم. لذلك، عندما تُستهدف البيوت أو تُهدَّم الأحياء القديمة، لا ينهار مجرد عمران، بل تُقتلع جذور الشعوب التي تعيش فيه.

البيت بوصفه ذاكرة

في المدن العربية، البيوت القديمة تحمل معاني عميقة: الهندسة التقليدية، الطراز المعماري المحلي، وروابط الأحياء الضيقة التي تجمع الأهل والجيران. الهدم هنا ليس مجرد إزالة لمبنى، بل استئصال لعلاقات اجتماعية وثقافية متجذرة، وجعل الأجيال القادمة تنشأ في فراغ تاريخي وفكري.

الأسواق والمساجد: خرائط للهوية

الأسواق القديمة والمساجد والكنائس ليست مواقع اقتصادية أو دينية فحسب، بل تمثل خرائط للهوية المشتركة. تدميرها يعني محو ذاكرة مجتمعية، وإضعاف الروابط التي تجعل المدينة أكثر من مجرد مكان للعيش—بل مركزًا للهوية الجماعية والمقاومة.

الهدم كأداة سياسية

الهدم الممنهج للمدن لم يكن يومًا مجرد تصرف عشوائي خلال الحروب. بل هو مشروع سياسي طويل المدى: السيطرة على السكان عبر تحويل مكانهم إلى فراغ، وقطع الصلة بين الماضي والحاضر، وتجريد المدينة من أي رمزية تاريخية قد تمنح السكان القوة على المقاومة.

العبرة الكبرى

حين تُمحى البيوت والأسواق والمعالم، تصبح المدينة بلا ملامح، ويصبح السكان بلا ذاكرة مشتركة. الهدم العمراني ليس فقط عن الحجر، بل عن الإنسان الذي يعيش فيه. وهكذا يتحول العمران إلى سلاح، والمدينة إلى ساحة صراع على الهوية والوجود.

سلسلة: المدن الميتة: كيف تُهدم الأوطان من الداخل؟

+
أحدث أقدم

ويجيد بعد المقال


تنويه: هذا المقال (أو المحتوى) يقدم تحليلاً إعلامياً موضوعياً، ويخلو تماماً من أي تحريض أو دعوة للعنف، ويعكس رؤية نقدية متوازنة للأحداث، مع الالتزام التام بالأطر القانونية والمعايير المهنية.