المدن الميتة: من سراييفو إلى دمشق: تكرار السيناريو العالمي لهدم الحواضر

الهدم ليس حكرًا على المدن العربية وحدها؛ فالتاريخ الحديث يكشف نمطًا عالميًا متكررًا: من سراييفو إلى دمشق، ومن الموصل إلى كوسوفو، تتكرر السيناريوهات التي تهدف إلى تدمير المدن وتحويلها إلى فراغ سياسي واجتماعي. الخراب هنا لا يُقاس بالدمار المادي فقط، بل بتفكيك النسيج الاجتماعي والذاكرة الحضارية.

سراييفو: مدينة بلا نهاية سلمية

في البوسنة، كانت سراييفو مثالًا للمدينة متعددة الثقافات والديانات، لكنها تحولت إلى ساحة حرب مدروسة لتقسيم المجتمع. الحصار الطويل والقصف المتواصل لم يكن مجرد نتيجة صراع محلي، بل مشروعًا دوليًا لإعادة رسم الخريطة، وإضعاف المجتمع من الداخل، وجعل المدينة عرضة للتقسيم والانقسام على أسس ديموغرافية.

دمشق: نموذج الصمود تحت الهدم

دمشق، المدينة الأقدم في العالم، شهدت في السنوات الأخيرة موجات دمار ممنهجة للأحياء القديمة والأسواق التراثية. الهدف لم يكن القضاء على السكان فقط، بل استهداف رموز الهوية التاريخية، وإضعاف القدرة الرمزية للمدينة كحاضنة للثقافة العربية والإسلامية.

التكرار العالمي: أسلوب الخراب

المدن المستهدفة جميعها تشترك في نمط واحد:

  1. الهجوم على مراكز الذاكرة (مساجد، كنائس، أسواق، مبانٍ تاريخية).
  2. الضغط على السكان عبر الحصار، التهجير، أو القصف المتكرر.
  3. إعادة تشكيل المدينة بما يخدم مصالح الخارج أو الأنظمة الجديدة، بحيث تصبح المدينة مجرد إطار بلا محتوى حضاري.

درس الاستراتيجية

ما يحدث في هذه المدن ليس عشوائيًا، بل يعكس مشروعًا عالميًا: الخراب كأداة للسيطرة على الشعوب عبر تدمير أماكنها، وخلق فراغ حضاري يمكن ملؤه بالنظم والسياسات التي يخدمها الخارج. الفكرة واحدة: المدينة الحية تشكل خطرًا على الهيمنة، والدمار هو وسيلة لإعادة هندستها سياسيًا وثقافيًا.

سلسلة: المدن الميتة: كيف تُهدم الأوطان من الداخل؟

+
أحدث أقدم

ويجيد بعد المقال


تنويه: هذا المقال (أو المحتوى) يقدم تحليلاً إعلامياً موضوعياً، ويخلو تماماً من أي تحريض أو دعوة للعنف، ويعكس رؤية نقدية متوازنة للأحداث، مع الالتزام التام بالأطر القانونية والمعايير المهنية.