العقاب المؤجَّل: من سيحاسب إسرائيل على جرائم غزة؟

منذ أن تحولت غزة إلى مسرح إبادة جماعية، يطفو السؤال الأكبر: من سيعاقب إسرائيل على جرائمها؟ النظام الدولي صامت، القوى الغربية حامية، والعالم العربي عاجز. لكن خلف هذا المشهد، ثمة حقيقة أعمق: العقاب مؤجل، لكنه ليس غائبًا.

عجز القانون الدولي

القوانين واضحة: قتل المدنيين، الحصار، التجويع، والتدمير الشامل كلها جرائم حرب وإبادة. لكن المؤسسات القضائية الدولية ليست سوى أدوات بيد القوى الكبرى. مجلس الأمن يُعطّل، والمحكمة الجنائية تُقيّد، والقانون يصبح مجرد نص بلا قوة. لذلك لن يأتي العقاب من هذه المنصات، بل من تحولات أوسع في موازين القوى.

الحماية الغربية: درع الإفلات من العقاب

إسرائيل ليست "قوية بذاتها"، بل محميّة استراتيجيًا من الولايات المتحدة والغرب. هذه الحماية تجعلها فوق القانون، وتحوّل الجرائم إلى "حق في الدفاع عن النفس". أي محاسبة حقيقية ستبقى مستحيلة ما دام الدرع الغربي قائمًا.

محكمة الرأي العام

ورغم الحماية، بدأت محكمة أخرى بالانعقاد: الرأي العام العالمي. المظاهرات، حركات المقاطعة، الجامعات، الصحافة المستقلة — كلها تفضح وتدين. هذا ليس عقابًا مباشرًا، لكنه يخلق عزلة متنامية ويضعف شرعية الكيان. إنها بداية العدالة غير الرسمية.

إلى متى يؤجَّل العقاب؟

العقاب مؤجل إلى أن تتغير موازين القوى الدولية. العدالة اليوم رهينة التوازن الأميركي–الغربي. لكن العالم يتغير: واشنطن تتراجع، قوى جديدة تصعد، الشرخ في النظام الدولي يتسع. لحظة المحاسبة قادمة، لكنها مرتبطة بالتحول الاستراتيجي لا بالزمن وحده.

حين يموت المذنبون… هل يسقط الحساب؟

قد يموت نتنياهو أو جنرالات الجيش قبل محاكمتهم، لكن الجرائم لا تُدفن معهم. المسؤولية التاريخية تبقى. كما لم تختفِ جرائم النازية أو الاستعمار بوفاة قادتها، كذلك ستظل جرائم إسرائيل عبئًا على كيانها وأجيالها القادمة. هنا ينتقل العقاب من الأفراد إلى المؤسسات والكيان ذاته.

العقاب المؤجل أقسى

العدالة المتأخرة غالبًا أشدّ قسوة:

  • انهيار شرعية الكيان.
  • عزلة دولية خانقة.
  • تفكك داخلي وصراعات أهلية.
  • وربما انهيار المشروع الصهيوني نفسه.

التاريخ لا يغفر الجرائم الكبرى، بل يؤجل العقوبة حتى تصبح جماعية ووجودية.

الخلاصة

إسرائيل لن تُحاسَب اليوم في محكمة العدل الدولية، ولن يفرض عليها مجلس الأمن عقوبات. لكنها تُحاكم الآن في محكمة الشعوب، وتنتظرها عدالة التاريخ. موت المذنبين لا يحميهم، لأن الجرائم تنتقل من الأفراد إلى الكيان. والعدالة حين تأتي، ستكون بحجم الجريمة: شاملة، قاسية، ولا تُبقي من الوهم شيئًا.

+
أحدث أقدم

ويجيد بعد المقال


تنويه: هذا المقال (أو المحتوى) يقدم تحليلاً إعلامياً موضوعياً، ويخلو تماماً من أي تحريض أو دعوة للعنف، ويعكس رؤية نقدية متوازنة للأحداث، مع الالتزام التام بالأطر القانونية والمعايير المهنية.