بوركينا فاسو: تحرير الموارد الوطنية من الاستغلال الغربي

على مدى أكثر من نصف قرن، كانت بوركينا فاسو مثالاً صارخاً على استنزاف ثروات الدول الأفريقية تحت ستار الاستثمار الأجنبي. شركات غربية متعددة الجنسيات سيطرت على الذهب والمعادن والزراعة، وحوّلت الأرباح إلى الخارج، بينما بقي الشعب في فقر مدقع، محروم من التعليم والصحة والبنية التحتية.

انقلاب النقيب إبراهيم تراوري في سبتمبر 2022 لم يكن مجرد صراع على السلطة، بل كان رداً وطنياً على عقود من الاستغلال الخارجي ونهب الثروات الوطنية.

1. الاستثمار الأجنبي ليس منقذ الفقراء

الخطاب الغربي الرسمي يدعي أن الاستثمار الأجنبي يساعد على التنمية، لكن الواقع مختلف تماماً:

  • العقود الأجنبية كانت تمنح الشركات السيطرة الكاملة على المناجم والمزارع، مع نصيب ضئيل للدولة.
  • العمال المحليون كانوا محرومين من أجور عادلة، والتكنولوجيا والمعرفة لم تُنقل فعلياً إلى السكان.
  • الاقتصاد أصبح تابعاً، يعتمد على تصدير الموارد الخام واستيراد المنتجات النهائية، بينما يظل الشعب فقيراً.

باختصار، الاستثمار الأجنبي في بوركينا فاسو كان أداة للنهب والهيمنة، وليس وسيلة لتخفيف الفقر.

2. خطوات تراوري نحو السيادة الاقتصادية

بعد الانقلاب، اتخذ تراوري سلسلة من الإجراءات التي تهدف إلى استعادة السيطرة الوطنية:

  • تأميم المناجم والشركات الأجنبية: طرد شركات كبرى مثل "ساراما ريسورسز" و"إنديفور مينينغ"، وإعادة السيطرة على الذهب للدولة والشعب.
  • خفض النفوذ الغربي: إنهاء التنسيق مع فرنسا، وطرد القوات الخاصة، وتجميد العقود التي كانت تمنح السيطرة للشركات الأجنبية.
  • التعاون الانتقائي مع دول أخرى: مثل روسيا وسلطنة عمان، بهدف تنويع الشراكات الاقتصادية بعيداً عن الهيمنة الغربية، مع الحفاظ على القرار الوطني مستقلاً.

هذه الخطوات تمثل تحريراً اقتصادياً وطنياً حقيقياً بعد عقود من الاستغلال الغربي المباشر وغير المباشر.

3. التحديات الواقعية

رغم الرمزية القوية لهذه السياسات، تواجه بوركينا فاسو تحديات كبيرة:

  • ضعف المؤسسات والإدارة: إدارة المناجم والصناعات الثقيلة تتطلب خبرة وتقنيات عالية، وهو ما يفتقر إليه النظام الحالي.
  • الأمن الداخلي والجماعات المسلحة: بعض الجماعات المسلحة تتلقى دعماً خارجيًا، ما يعرقل جهود الاستقرار الوطني.
  • التراجع الاقتصادي المؤقت: انخفاض الاستثمارات الأجنبية يضغط على الاقتصاد، وقد يؤدي إلى عجز مالي على المدى القصير.

4. فرصة حقيقية للشعب

إذا نجحت بوركينا فاسو في:

  • بناء مؤسسات قوية وشفافة،
  • استغلال الخبرات الدولية دون تبعية،
  • تعزيز الأمن الوطني بشكل مستقل،

فإنها ستكون قادرة على تحويل مواردها الطبيعية إلى رفاهية حقيقية للشعب، بدلاً من استمرار نهبها من القوى الأجنبية. هذا المسار يمثل نموذجاً يمكن أن تحذو دول أفريقية أخرى حذوه لتحقيق الاستقلال الاقتصادي والسياسي.

الخلاصة

انقلاب إبراهيم تراوري هو رد على نصف قرن من الاستغلال الغربي للموارد الوطنية، ويشكل محاولة لتحرير اقتصاد بوركينا فاسو من التبعية ونهب الشركات الأجنبية. الإجراءات الجريئة، رغم المخاطر والتحديات، تمثل خطوة أولى نحو استقلال حقيقي للشعب، وتحويل ثروات البلاد إلى قوة تنموية وطنية، بعيداً عن وهم “الاستثمار الأجنبي المنقذ للفقر”.

+
أحدث أقدم

ويجيد بعد المقال


تنويه: هذا المقال (أو المحتوى) يقدم تحليلاً إعلامياً موضوعياً، ويخلو تماماً من أي تحريض أو دعوة للعنف، ويعكس رؤية نقدية متوازنة للأحداث، مع الالتزام التام بالأطر القانونية والمعايير المهنية.