الغباء السياسي: أحد أساليب السياسة الذكية

كثيرًا ما يظن الناس أن الغباء السياسي علامة على فشل أو عجز، وأن ارتكاب الأخطاء دليل على ضعف القيادة أو ضياع البوصلة. لكن ما يغيب عن الوعي العام أن هذا "الغباء الظاهر" قد يكون في جوهره أداة ذكية، تُستخدم لتضليل الخصوم، أو امتصاص الضغوط، أو تمرير سياسات لم يكن بالإمكان فرضها لو ظهرت بوجهها الحقيقي. هنا يتحول الغباء إلى قناع استراتيجي يخدم دهاءً خفيًا.

الغباء كقناع تكتيكي

التاريخ مليء بأمثلة قادة يتعمّدون الظهور بمظهر البسيط أو غير المدرك للتفاصيل، في حين أنهم يراقبون خصومهم ويستدرجونهم إلى الاستهانة بهم. بهذا "التغابي" ينجحون في كسر توقعات الآخرين، ويحوّلون عنصر المفاجأة إلى سلاح فعّال في اللحظة المناسبة.

امتصاص الضغوط وتبريد المواجهة

في مواجهة أزمات داخلية أو صراعات خارجية، يُظهر النظام نفسه وكأنه يتخبط في القرارات، ليمنح نفسه وقتًا ثمينًا، أو ليخفف من حدّة الانتقادات. وهنا يصبح الغباء وسيلة للهروب المؤقت من المأزق، وإعادة ترتيب الأوراق بعيدًا عن الأعين، حتى تتغير موازين القوى.

الغباء كسردية موجهة

أحيانًا يُستخدم الغباء السياسي كذريعة لإخفاء سياسات أعمق. حين تُعزى الأزمات الاقتصادية أو الأمنية إلى "قرارات فاشلة"، قد يكون الهدف الحقيقي هو إشغال الناس بالجدل، فيما تُدار اللعبة الحقيقية خلف الكواليس: إعادة رسم التوازنات، أو تمرير اتفاقيات سرية، أو هندسة وعي جماعي جديد.

إستراتيجية الدولة الضعيفة

في بعض الدول، يُبنى المشهد كله على صورة الضعف والارتباك. تُترك الانطباعات بأن النظام غير قادر على السيطرة، بينما الحقيقة أن القرارات الجوهرية تُحاك بدقة في الخفاء. هذه الاستراتيجية تجعل الخصوم يستخفون بالدولة، فتتحرك هي في مساحات لا يراقبها أحد.

خاتمة

الغباء السياسي ليس دائمًا غباءً. أحيانًا يكون هو القناع الأذكى الذي يخفي وراءه أعمق الحسابات. فالمشهد الساذج قد يكون واجهةً لخطة محكمة، والخطأ الفادح قد يتحول إلى مدخل لنجاحات بعيدة المدى. في النهاية، الذكاء في السياسة ليس بما يظهر على السطح، بل بما يُدار في الظل، خلف أقنعة الغباء.

+
أحدث أقدم

ويجيد بعد المقال


تنويه: هذا المقال (أو المحتوى) يقدم تحليلاً إعلامياً موضوعياً، ويخلو تماماً من أي تحريض أو دعوة للعنف، ويعكس رؤية نقدية متوازنة للأحداث، مع الالتزام التام بالأطر القانونية والمعايير المهنية.