
لحظة الارتباك الأمريكي
واشنطن اليوم في وضع استراتيجي مرتبك:
-
انشغالها بالصراع مع الصين في شرق آسيا.
-
نزيفها في أوكرانيا والشرق الأوسط.
-
تراجع الثقة الشعبية في أمريكا اللاتينية، بعد تاريخ طويل من الانقلابات المدعومة أمريكيًا.
هذا التراجع خلق مساحة سياسية لدول القارة، لم تكن متاحة من قبل، لبناء بدائل وشراكات خارج الهيمنة الأمريكية.
فنزويلا كنقطة اختبار
الأزمة الراهنة بين الولايات المتحدة وفنزويلا ليست مجرد نزاع ثنائي، بل هي ساحة اختبار لمعادلة النفوذ الجديدة:
-
إذا صمدت فنزويلا أمام عسكرة الكاريبي والعقوبات، ستُثبت أن واشنطن لم تعد قادرة على كسر أي دولة متمردة.
-
أما إذا فرضت أمريكا تغييرًا بالقوة أو الحصار، فسترتدع بقية دول القارة وتعود إلى مربع التبعية.
من هنا، تتابع كل عواصم المنطقة هذا الصراع وكأنها ترى مستقبلها في مرآة فنزويلا.
تنوع المسارات في القارة
-
المكسيك: رغم ارتباطها الاقتصادي العميق بواشنطن، ترفض أن تكون أداة لإسقاط الحكومات الوطنية في الجوار، وتطرح نفسها كوسيط بديل.
-
الأرجنتين: أزمة الديون جعلتها تدرك خطورة الارتهان لصندوق النقد الدولي، ما دفعها لفتح أبواب التمويل مع الصين وروسيا.
-
كوبا: صمودها أمام حصار أمريكي استمر ستة عقود صار رمزًا للكرامة والسيادة في المخيال الشعبي اللاتيني.
-
بوليفيا: تجارب الانقلابات أعادت تشكيل وعيها السياسي، لتعود حركة "ماس" وتؤكد أن التدخل الأمريكي لم يعد ضامنًا للهيمنة كما في الماضي.
-
البرازيل: باعتبارها القوة الكبرى في القارة، تلعب لعبة التوازن بين الشرق والغرب، مما يفتح مجالًا أوسع للتعددية.
الشعوب كعامل حاسم
التجارب المتراكمة خلقت وعيًا جديدًا لدى الشارع اللاتيني. فالأزمات الاقتصادية وسياسات التبعية المالية جعلت الشعوب أكثر استعدادًا لانتخاب حكومات يسارية أو وطنية ترفع شعارات السيادة. من كولومبيا وتشيلي إلى الأرجنتين، تتكرر موجة سياسية تؤكد أن التبعية لم تعد قدرًا أبديًا.
الخلاصة: قارة على أعتاب التحول
أمريكا اللاتينية لم تعد الحديقة الخلفية للولايات المتحدة، بل قارة تتحسس طريقها نحو الاستقلال في ظل نظام عالمي يتغير بسرعة. السؤال الجوهري لم يعد: هل ستجرؤ على التحدي؟ بل: إلى أي مدى ستنجح في بناء مشروع جماعي مستقل، اقتصاديًا وسياسيًا، يضعها في موقع الشريك لا التابع؟