
المكاسب: فرض الهيمنة تحت النار
1. تعطيل الوساطة القطرية
قطر مثّلت لسنوات قناة تفاوضية أساسية بين إسرائيل والمقاومة عبر واشنطن والقاهرة. ضربها يهدف إلى إرباك هذا الدور، وفرض معادلة جديدة: لا تفاوض إلا بشروط إسرائيلية، ولا وسيط في مأمن إذا تجاوز الخطوط الحمراء.
2. رسالة ردع إقليمية
إسرائيل أرادت أن تقول للعواصم العربية، خصوصًا الخليجية: الحماية الأمريكية لا تضمن شيئًا، ونحن قادرون على الوصول إلى أي مكان. الرسالة لا تقل خطورة عن الضربة ذاتها، لأنها تضرب ثقة الحكومات بشبكة “الأمن الأمريكي” التي بُنيت عليها عقود من التحالفات.
3. مكسب داخلي لحكومة نتنياهو
على الصعيد الداخلي، العملية صُممت لتلميع صورة القيادة السياسية والعسكرية أمام جمهور يائس من تعثر الحرب في غزة. الضربة خارج الميدان الفلسطيني تمنح الحكومة شعورًا زائفًا بالقوة والسيطرة، ولو مرحليًا.
الخسائر: كشف الحدود وفضح الوصاية
1. إحراج واشنطن
القواعد الأمريكية في قطر لم تمنع الهجوم، ما جعل الولايات المتحدة تبدو عاجزة عن حماية أهم حلفائها في الخليج. هذه الضربة لم تُضعف فقط صورة واشنطن، بل جعلت من وجودها العسكري موضع تساؤل.
2. خسارة قناة تفاوضية
إسرائيل وإن أرادت الضغط على قطر، إلا أنها كانت تستفيد من دورها الوسيط لتخفيف الاحتقان في غزة وضبط إيقاع المقاومة. ضرب هذا الدور قد يغلق نافذةً كانت تخدم إسرائيل بقدر ما تخدم واشنطن.
3. تصاعد الغضب الشعبي
العملية فجّرت شعورًا عامًا في المنطقة بأن التطبيع لم يجلب سوى مزيد من الخضوع، وأن إسرائيل لا تتردد في ضرب حتى الدول "المسالمة". هذا يهدد سردية "الشريك الأمني" التي روّجتها إسرائيل والإعلام الغربي.
4. المخاطرة بفتح جبهة خليجية
حتى لو لم يكن الرد العسكري مطروحًا، فإن الدول الخليجية الأخرى قد تعيد حساباتها. فالهجوم لم يكن على دولة مواجهة مثل لبنان أو سوريا، بل على دولة خليجية ترتبط بالغرب. هذه سابقة لا يمكن تجاهلها.
5. انكشاف استراتيجية التبعية
إسرائيل أظهرت أنها لا تتردد في التحرك حتى لو أدى ذلك إلى إحراج حليفها الأمريكي. هذه الحقيقة قد تُغذي في الغرب نفسه نقاشًا خطيرًا: هل أصبحت إسرائيل عبئًا استراتيجيًا على مصالح واشنطن؟
الميزان: ربح قصير، خسارة طويلة
إسرائيل ربحت تكتيكيًا: أربكت قطر، بعثت رسائل ردع، وأرضت جمهورها الداخلي. لكنها خسرت استراتيجيًا: هزّت صورة المظلة الأمريكية، قلّصت قنواتها التفاوضية، وأثارت موجة عداء شعبي جديدة قد تقوّض مشروع التطبيع من أساسه.
الهجوم إذن ليس نصرًا بقدر ما هو مغامرة تكشف حدود القوة الإسرائيلية، وتُسرّع تفكك منظومة "الوصاية الغربية" على الخليج. وربما يكون أهم ما كشفته العملية هو هذا السؤال الصارخ: إذا كانت أمريكا لا تحمي قطر، فلماذا تبقى القواعد على أرضها أصلًا؟
السيناريوهات المقبلة: رد عربي غائب أم تحول مرتقب؟
الخيارات أمام الدول العربية تبدو محدودة. فإما أن تكتفي بالبيانات المكررة وتترك واشنطن تفاوض باسمها، وهو السيناريو الأقرب إلى واقع الانقسام العربي، أو أن تستثمر بعض الدول هذا الحدث لإعادة النظر في منظومة الأمن القائم على الحماية الأمريكية التي ثبت عجزها.
هناك احتمال أن تلجأ قطر نفسها إلى تعزيز أوراقها عبر الانفتاح أكثر على قوى دولية بديلة مثل الصين أو تركيا أو حتى إيران، ما يعني أن الضربة الإسرائيلية قد تُسرّع إعادة تشكيل تحالفات إقليمية جديدة. أما الدول الأخرى التي كانت تراهن على التطبيع كضمانة للأمن، فقد تجد نفسها في مأزق: هل تواصل المسار رغم انكشافه، أم تبحث عن صيغة أكثر استقلالًا؟
بهذا المعنى، قد تكون خسارة إسرائيل الحقيقية ليست في قطر وحدها، بل في اهتزاز السردية التي أرادت ترسيخها: أن التطبيع يحمي، وأن أمريكا تكفل الأمن. الضربة على الدوحة كشفت العكس تمامًا، وربما تكون فاتحة مرحلة جديدة في وعي المنطقة.