شهدت نيبال خلال الأيام القليلة الماضية موجة احتجاجات غير مسبوقة، اندلعت بسبب قرار حكومي بحظر 26 منصة تواصل اجتماعي، لكنها سرعان ما تحولت إلى انفجار سياسي أوسع يعكس غضب الشباب ضد الفساد والبطالة وفشل المؤسسات. بينما تبدو الأحداث بعيدة جغرافيًا عن العالم العربي، إلا أن القواسم المشتركة بين الحالتين تكشف الكثير عن أزمة الحكم والشرعية والثقة بالمؤسسات في المنطقة.
أسباب الغضب: الشباب مقابل الفساد
في نيبال، كانت شرارة الاحتجاجات هو حظر مفاجئ لوسائل التواصل، لكن السبب الجذري هو الغضب من الفساد المستشري والبطالة، خصوصًا بين جيل الشباب من جيل Z.
في كثير من الدول العربية، الشباب يواجه ظروفًا مماثلة: فرص محدودة، استهلاك إعلامي متزايد، وانفصال عن القرار السياسي، ما يولد إحباطًا متراكماً يتحول إلى احتجاجات مباشرة عند أي شرارة صغيرة، سواء كانت رفع أسعار، أو تقييد الحريات، أو فضائح فساد.
أزمة المؤسسات والثقة المفقودة
-
نيبال: البرلمان مستهدف، الحكومة غير فعالة، والرغبة في قيادة مؤقتة تعكس فراغ الثقة بالمؤسسات.
-
الوطن العربي: كثير من الأنظمة تواجه مشكلات مشابهة—غياب الإصلاح، هشاشة القضاء، ضعف مساءلة المسؤولين، مما يفاقم الانفصال بين المواطن والدولة.
النتيجة في كلا السياقين واحدة: أي أزمة صغيرة تتحول إلى انفجار سياسي واسع.
دور وسائل التواصل والتحكم بالمعلومة
الحظر في نيبال أظهر أن محاولة السيطرة على الفضاء الرقمي يمكن أن تشعل الوضع بدلًا من تهدئته.
في العالم العربي، الرقابة على الإنترنت ووسائل الإعلام غالبًا ما تولّد ردود فعل مماثلة، حيث يبحث الشباب عن فضاءات بديلة للتعبير، ما يخلق حلقة تصعيدية مستمرة بين السلطة والشباب.
الرد الأمني مقابل التحول السياسي
-
نيبال: تدخل الجيش، فرض حظر التجول، واستخدام القوة للسيطرة على الشارع، لكنه لا يعالج جذور الأزمة.
-
الدول العربية: ردود مشابهة، من استخدام القوة لقمع الاحتجاجات إلى حظر التجمعات، غالبًا ما توفر استقرارًا شكليًا مؤقتًا، لكنها تترك الغضب كامناً، ما يُهدد الاستقرار على المدى الطويل.
خلاصة التحليل
أحداث نيبال تؤكد حقيقة عالمية: الصراع بين الشباب والطموح السياسي من جهة، والفساد وضعف المؤسسات من جهة أخرى، ليس مجرد مسألة محلية. ما حدث هناك يشبه كثيرًا ما يحدث في الوطن العربي: غضب الشباب، سياسات قمعية مؤقتة، وفقدان الثقة بالمؤسسات.
- الفارق الجغرافي لا يمنع التشابه في الديناميات.
- الحلول الأمنية وحدها غير كافية، بل تتطلب إصلاحًا حقيقيًا للحوكمة.
- الشباب، كعامل تغيير، أصبح قوة لا يمكن تجاهلها.
الاستشراف المستقبلي: خيارات نيبال والدول العربية
- إصلاح سياسي واقعي: إدخال آليات مساءلة ومحاسبة حقيقية، وتعزيز شفافية المؤسسات.
- تمكين الشباب: إشراكهم في القرار السياسي والاقتصادي لتخفيف حالة الإحباط.
- تغيير ثقافة الإدارة: الانتقال من السيطرة الأمنية إلى إدارة الأزمات بالحوكمة الذكية والحوار المفتوح.
- إعادة بناء الثقة: خلق قناة مستمرة بين الدولة والمجتمع المدني، ما يحول الاحتجاج من انفجار عفوي إلى مشاركة مدروسة في السياسة.
في النهاية، سواء في نيبال أو في الوطن العربي، يُظهر الواقع أن أي نظام يغفل مشاركة الشباب وشفافية المؤسسات، سيظل عرضة لغضب متكرر ومتزايد، وأن الحلول الأمنية المؤقتة لن تكبح الشرارة السياسية لفترة طويلة.
