قطر: قمة الدوحة الطارئة: قرارات معدّة سلفًا أم مسرحية سياسية؟

عندما تُعقد قمة عربية أو إسلامية طارئة على وقع صدمة إقليمية كبرى، تتجه الأنظار نحو القاعات المغلقة بانتظار ما سيُعلن من بيانات. لكن التجارب التاريخية علمتنا أن القرار لا يُصنع داخل القمة بل قبلها، وأن ما يُبث للإعلام لا يتجاوز كونه نصًا صيغ بعناية لامتصاص الغضب الشعبي. هنا يطرح السؤال: ما جدوى هذه القمم إذا كانت قراراتها مرسومة سلفًا، وما الذي يُحتمل أن يخرج من قمة الدوحة بعد الغارة الإسرائيلية على قطر؟

المسرح السياسي: بين الشكل والجوهر

القمم الطارئة غالبًا ما تُدار بوصفها عروضًا سياسية موجهة للرأي العام أكثر من كونها ساحات تفاوض حقيقية. البيان الختامي عادة ما يكون جاهزًا قبل الاجتماع، وكل ما يحدث داخله هو تفاوض على صياغة اللغة: هل نستخدم كلمة "إدانة شديدة" أم "استنكار"؟ هل نذكر إسرائيل بالاسم أم نكتفي بالإشارة الغامضة إلى "العدو"؟ هذه التفاصيل الشكلية هي ما يُترك للوزراء والزعماء للتداول العلني، بينما القرار الاستراتيجي يكون قد حُسم في غرف خلفية بين الدول الأكثر نفوذًا.

الاحتمالات الأقرب في قمة الدوحة

  1. بيان إدانة قوي لفظيًا وضعيف عمليًا
    سيتم التشديد على "الاعتداء على السيادة القطرية" وربطه بضربات إسرائيل في اليمن وغزة، لكن دون خطوات نوعية.

  2. اللجوء إلى الأمم المتحدة
    دعوات لعقد جلسة طارئة أو تشكيل لجنة تحقيق، مع يقين بأن الفيتو الأمريكي سيقف عائقًا أمام أي إجراء ملزم.

  3. إجراءات دبلوماسية محدودة
    بعض الدول قد تستدعي سفراءها من تل أبيب أو تخفض مستوى التمثيل، لكنها لن تغلق أبواب التطبيع نهائيًا.

  4. التوظيف الإعلامي
    استخدام القمة لإعادة ضخ خطاب "لا جدوى من التطبيع" وإرضاء الشارع الغاضب، مع إبقاء مسار العلاقات خلف الكواليس كما هو.

  5. رسائل أمنية مبطنة
    ترك هامش أوسع لحركات المقاومة في غزة واليمن ولبنان، من دون تبنٍ رسمي مباشر، بحيث تبقى الأنظمة في مأمن من المواجهة المباشرة.

الوصاية الأمريكية على القرار

المفارقة أن هذه القمم – رغم الزخم الإعلامي – تبقى محكومة بسقف أمريكي صارم: واشنطن وحدها من يملك القدرة على الضغط الفعلي على إسرائيل أو حمايتها من العزلة. لذلك تتحول البيانات العربية والإسلامية إلى مجرّد رسائل رمزية، لا تغيّر موازين القوة ولا توقف العدوان، بل تؤدي وظيفة واحدة: امتصاص النقمة الشعبية وتخفيف الضغط الداخلي على الأنظمة.

تكرار السيناريو: من بيروت 2002 إلى غزة وما بعدها

من يتتبع مسار القمم العربية والإسلامية يكتشف أن ما يحدث اليوم في الدوحة ليس جديدًا. قمة بيروت عام 2002 مثلًا خرجت بمبادرة السلام العربية التي وُصفت حينها بالاختراق التاريخي، لكنها لم تتجاوز كونها ورقة تفاوضية سقطت مع أول اختبار عملي. وكذلك القمم المتكررة بشأن غزة (2008، 2014، 2021) لم تُثمر سوى بيانات شجب وتأكيد على "الدعم السياسي والإنساني"، بينما استمر العدوان على الأرض دون رادع.

القاسم المشترك في كل هذه القمم أن النصوص كانت جاهزة مسبقًا، والقرارات محكومة بسقف خارجي، في حين بقيت الشعوب تتلقى وعودًا بلا تنفيذ. قمة الدوحة اليوم لا تبدو استثناءً، بل استمرارًا لهذا المسار؛ حيث يُستعاد المشهد ذاته: غضب شعبي، اجتماع عاجل، بيانات قوية لغويًا، وصمت فعلي على مستوى الفعل السياسي.

قمة الدوحة: تكرار بلا تغيير

الاجتماع في الدوحة لن يغيّر قواعد اللعبة، لكنه سيُضاف إلى أرشيف طويل من القمم التي مثّلت إخراجًا مسرحيًا للقرارات المسبقة، أكثر من كونها محاولات جادة لبناء موقف مستقل. ويبقى السؤال معلّقًا: هل ستظل القمم العربية والإسلامية مجرد مناسبات لصياغة بيانات، أم أنها ستتحول يومًا إلى منصات فعل حقيقي؟

الخلاصة

قمة الدوحة ليست سوى حلقة جديدة في سلسلة القمم الشكلية التي تستجيب للأحداث عبر بيانات مدروسة مسبقًا. القرارات الحقيقية تُصنع خارج القاعة، في واشنطن وتل أبيب، بينما تُستخدم الاجتماعات كأداة سياسية لإدارة الغضب وضبط الشارع. السؤال الجوهري إذن: متى يتحول الاجتماع العربي من منصة بيانات إلى منصة قرار، ومن مسرح إعلامي إلى ساحة فعل؟

+
أحدث أقدم

ويجيد بعد المقال


تنويه: هذا المقال (أو المحتوى) يقدم تحليلاً إعلامياً موضوعياً، ويخلو تماماً من أي تحريض أو دعوة للعنف، ويعكس رؤية نقدية متوازنة للأحداث، مع الالتزام التام بالأطر القانونية والمعايير المهنية.