
المفارقة تبدو صارخة: قادة إسرائيل غالبًا علمانيون أو حتى لا دينيون، والغرب الداعم لهم يقوم على أسس علمانية ليبرالية، ومع ذلك تتحول الشعارات الدينية فجأة إلى لغة التعبئة في الحرب. هذا التناقض ليس عرضًا، بل هو مفتاح لفهم البنية العميقة للصراع، وكيفية صناعة الشرعية الوهمية في لحظات الاضطراب.
الشرعية الداخلية: الدين كغراء قومي
إسرائيل مجتمع متشظٍ بين تيارات متعارضة:
- علمانيون يهيمنون على الاقتصاد والإعلام.
- قوميون يمينيون يستخدمون الهوية اليهودية كسلاح سياسي.
- حريديم وصهاينة دينيون يرفضون كثيرًا من مفاهيم الدولة الحديثة.
في هذه الفوضى الداخلية، يحتاج القادة إلى "خطاب جامع" يتجاوز الخلافات. وهنا يُستدعى الدين كقوة توحيدية مؤقتة، يضع الجميع تحت مظلته، ولو بشكل عاطفي وشكلي.
الشرعية الخارجية: مخاطبة الوجدان الغربي
رفع شعارات "أرض الميعاد" و"الشعب المختار" ليس موجهاً للإسرائيليين فقط، بل للغرب أيضًا، وخاصة التيار الإنجيلي في الولايات المتحدة. هذا التيار يرى في إسرائيل تحقيقًا لنبوءات توراتية، ويضغط سياسيًا واقتصاديًا لحمايتها.
الغرب العلماني رسميًا يسمح بهذا الخطاب لأنه يسهّل له تبرير الدعم المطلق لإسرائيل أمام شعوبه، بغطاء "روحي–حضاري" لا مجرد مصلحة سياسية.
استدعاء الأسطورة في لحظة الضعف
عندما تفشل الشعارات الواقعية مثل "التفوق العسكري" أو "الأمن القومي"، يلجأ الخطاب الإسرائيلي إلى الرموز الأسطورية: معركة داود ضد جالوت، إعادة بناء الهيكل، الحرب الأبدية ضد "أعداء الرب".
بهذا تتحول الحرب من معركة سياسية يمكن خسارتها، إلى "قدر إلهي" لا يقبل التراجع. إنها محاولة لحماية الوعي الجمعي من الانهيار أمام صدمات الهزيمة أو الفشل.
الدين كغطاء للعنف
العلمانية العقلانية لا تستطيع تبرير المجازر الواسعة، لكن حين يُلبس العنف ثوبًا دينيًا يصبح "مقدسًا".
بهذا يتحول القتل الجماعي إلى "وصية توراتية"، وتتحول الجريمة إلى "عبادة". وهنا يظهر جوهر الاستخدام السياسي للدين: تبرير ما لا يمكن الدفاع عنه سياسيًا أو أخلاقيًا.
الغرب والعلمانية النفعية
العلمانية الغربية ليست التزامًا مبدئيًا بقدر ما هي أداة نفعية: تُطبق داخليًا لحماية النظام السياسي من هيمنة الكنيسة، لكنها تُلغى خارجيًا إذا خدم الدين مصالحها.
لذلك يُسمح لإسرائيل باستدعاء الرموز الدينية، بينما يُجرَّم أي خطاب ديني مقاوم في العالم العربي أو الإسلامي. إنها ازدواجية تكشف أن "العلمانية" مجرد قناع يخضع للسياسة لا للمبادئ.
خلاصة
الشعارات الدينية في الحرب ليست تعبيرًا عن إيمان القادة الإسرائيليين، بل عن وظيفة استراتيجية:
- توحيد الداخل المنقسم.
- مخاطبة الغرب الإنجيلي والليبرالي معًا.
- تغليف العنف بغلاف مقدس.
- تحويل الصراع من سياسي قابل للنقاش، إلى معركة "قدرية" لا تُهزم.
إنه دين سياسي وظيفي، تُستخدم رموزه كسلاح ناعم لإدامة السيطرة، لا كقناعة شخصية. وما يفضحه هذا التناقض أن الخطاب الغربي–الإسرائيلي ليس صراع قيم، بل صراع أدوات، حيث يُستدعى الدين حين يخدم الهيمنة، ويُقصى حين يهددها.